تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأمر آخر يحسن التنبيه عليه هنا، وهو أن القدرة وحدها لاتكفي لتحقيق المقصود، فقد يكون الإنسان ذا قدرة على تحقيق غايته، ويجتهد في ذلك لكنها لاتتحقق له، إما بسبب وجود مانع أوفوات شرط، أو أن الله تعالى لم يرد له ذلك، ولم يقدره له. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ وَإِنَّمَا أنا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي وَلَنْ تَزَالَ هذه الْأُمَّةُ قَائِمَةً على أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ من خَالَفَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ " متفق عليه. وقد ذكر ابن حجر رحمه الله أن ممايفيده هذا الحديث إثبات الخير لمن تفقه في دين الله، وأن ذلك لا يكون بالاكتساب فقط بل لمن يفتح الله عليه به، وأن من يفتح الله عليه بذلك لا يزال جنسه موجودا حتى يأتي أمر الله (فتح الباري 1/ 164). وقال التوربشتي رحمه الله: "اعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام أعلم أصحابه أنه لم يفضل في قسمة ما أوحى الله إليه أحداً من أمته على أحد، بل سوَّى في البلاغ وعدل في القسمة، وإنما التفاوت في الفهم وهو واقع من طريق العطاء، ولقد كان بعض الصحابة، رضي الله عنهم، يسمع الحديث فلا يفهم منه إلاّ الظاهر الجلي، ويسمعه آخر منهم، أو من بعدهم، فيستنبط منه مسائل كثيرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" (عمدة القاري 2/ 51).

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:" احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ولا تَعْجز، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كان كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وما شَاءَ فَعَلَ فإن لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ" رواه مسلم. قال ابن القيم رحمه الله: " فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده ومصدرها منه ومردها إليه. فإن فاته ما لم يقدر له فله حالتان: حالة عجز وهي مفتاح عمل الشيطان فيلقيه العجز إلى "لو" ولا فائدة في "لو" ههنا، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن، وذلك كله من عمل الشيطان، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح، وأمره بالحالة الثانية، وهي النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قدر له لم يفته، ولم يغلبه عليه أحد فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجود المقدور، وإذا انتفت امتنع وجوده " (شفاء العليل 1/ 97).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يعني بعد أن تحرص وتبذل الجهد وتستعين بالله وتستمر، ثم يخرج الأمر على خلاف ماتريد فلاتقل لو أني فعلت لكان كذا؛ لأن هذا أمر فوق إرادتك، أنت فعلت الذي تؤمر به، ولكن الله عزوجل غالب على أمره ... فالإنسان إذا بذل مايستطيع بذله، وأخلفت الأمور فحينئذ يفوض الأمر إلى الله؛ لأنه فعل مايقدر عليه (شرح رياض الصالحين 3/ 98).

وهذا كله يبين خطأ ماهو مقرر فيما يسمى بالبرمجة اللغوية العصبية في إحدى قواعده الرئيسة وهي:" إذا كان أي إنسان قادرا على فعل شيء فمن الممكن لأي إنسان آخر أن يتعلمه ويفعله باتباع نفس الطريقة والخطوات حتى تحصل على نفس النتائج التي حصل عليها " (البرمجة اللغوية لناصر العبيد /9).

وهذا الكلام بهذا الإطلاق باطل يرده الواقع، فكم من ناس فعلوا مثلما فعل غيرهم من الناجحين فلم ينجحوا مثلهم، ولم يحصلوا على مرادهم، وشواهد هذا لاحصر لها في كافة الميادين.

وهذه القاعدة من قواعد البرمجة العصبية موافقة لكلام أهل الضلال من المبتدعة الذين يغالون في إثبات الأسباب، ويعتقدون استقلالها في التأثير. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: " اعتقاد تأثير الأسباب على الاستقلال دخول في الضلال " (مجموع الفتاوى 8/ 392).

وقال ابن القيم في بيان قول بعض العلماء بأن الالتفات إلى الأسباب شرك قال: " فالشرك أن يعتمد عليها ويطمئن إليها، ويعتقد أنها بذاتها محصلة للمقصود، فهو معرض عن المسبب لها، ويجعل نظره والتفاته مقصورا عليها " (مدارج السالكين 3/ 499).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير