تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإليك مثالا لتوضيح ماذكرته، وهو مبحث (العفو عن الآخرين)، فهو لم يذكر فيه أي نص من الكتاب والسنة في تقرير هذا المبدأ، كقول الله تعالى في وصف المتقين أهل الجنة: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} (آل عمران:134)، وقوله: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم} (النور:22)، وقوله: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} (التغابن: 14)، وقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فاعف عنهم واستغفر لهم} (آل عمران: 159)، وقوله: {فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين} (المائدة: 13) وغير ذلك من الآيات، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ومازاد الله عبدا بعفو إلا عزا" رواه مسلم، وحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في وصف النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة بأنه ليس بفظ ولا غليظ ولاسخاب في الأسواق، ولايدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر" رواه البخاري وغير ذلك من الأحاديث، لم يذكر المؤلف شيئا منها، وإنما اكتفى بذكر أن الحياة لاتخلو من عثرات تصيبنا من الناس، وأن بعض الناس يكبر الموضوع في نفسه وليس عنده استعداد للعفو والنسيان، فكن كبيرا، انس الماضي، وعش حياتك، ثم أورد ثلاثة أمثلة على عفو النبي صلى الله عليه وسلم: الأول حديث "اذهبوا فأنتم الطلقاء" [وهو حديث ضعيف]، وقدأطال في سرد تفصيلات ماحدث يوم فتح مكة في أربع صفحات، ومقصوده الاستشهاد بهذه الجملة "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، والثاني قصة عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن صفوان بن أمية في فتح مكة [وهو حديث ضعيف]، واستغرقت صفحتين، والثالث حديث المقداد رضي الله عنه في قصة شربه نصيب النبي صلى الله عليه وسلم من اللبن، وأنه خشي أن يدعو عليه النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه عليه الصلاة والسلام لم يفعل، [وهو في صحيح مسلم] وقد استغرقت هذه القصة صفحتين من صفحات المبحث. وكان ينبغي له في كل مبحث أن يبدأ بتقرير المبدأ الذي يتحدث عنه من نصوص الكتاب والسنة الدالة على مشروعيته، ثم يسوق الأمثلة التطبيقية من السنة فيختار أصح الأمثلة وأوضحها، وبهذا يحقق الكتاب مقصوده على أتم وجه، ويعظم الانتفاع به. ومن المعلوم أن بناء قاعدة على مثال أو مثالين أو عدة أمثلة قصصية قد ينقض باعتراضات توجه إلى الاستدلال بتلك الأمثلة بأن يطعن في ثبوتها أو تحمل على بعض الأحوال أو الأزمان، بخلاف ماإذا بنيت القاعدة على نصوص واضحة من الآيات والأحاديث الثابتة الدالة على التشريع العام كما سيأتي بيانه في المأخذ الثالث. والوصول إلى مايحتاج إليه المؤلف من نصوص الكتاب والسنة في تقرير المبادىء التي ذكرها في الكتاب أمرسهل في هذا العصر، ولله الحمد، باستخدام برامج الحديث الحاسوبية، والكتب التي ألفت في هذا الموضوع كموسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فلو راجع المؤلف هذه الموسوعة لوجد فيها مادة ضخمة من الآيات والأحاديث في غالب الموضوعات التي تناولها في كتابه.

2 - المأخذ الثاني أن المؤلف في كثير من المباحث يذكر أمثلة، غيرها أولى منها من حيث الثبوت أو من حيث الدلالة. وإليك مثالا على هذا، وهو المثال السابق الذي ذكر فيه الأمثلة السابقة من السيرة والتي استدل بها على عفو النبي صلى الله عليه وسلم، فأنا أرى أن المؤلف لو أمعن النظر لوجد أمثلة أدل وأصح من بعض ماذكره، كعفو النبي صلى الله عليه وسلم عن عبدالله بن أبي بن سلول في عدة مواقف، منها ماجاء في حديث أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي الله عنهما المتفق على صحته في قصة ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبدالله ابن أبي بن سلول ومن معه من المشركين يدعوهم إلى الإسلام، وفيه: فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حتى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ فلم يَزَلْ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهُمْ حتى سَكَتُوا ثُمَّ رَكِبَ رسول اللَّهِ دَابَّتَهُ، فَسَارَ حتى دخل على سَعْدِ بن عُبَادَةَ فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أَيْ سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ ما قال أبو حُبَابٍ - يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بن أُبَيٍّ - قال كَذَا وَكَذَا " فقال سَعْدُ بن عُبَادَةَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أنت اعْفُ عنه وَاصْفَحْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير