وفي رواية له: فقال أَنَسٌ: " إن كان الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ ما يُرِيدُ إلا الدُّنْيَا فما يُسْلِمُ حتى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إليه من الدُّنْيَا وما عليها ". ولماذا شرعت الهدية، وهي مادية؟ أليس لما لها من أثر في القلوب وكسب ودها؟ ولهذا حذر من هدايا العمال لأنها تعمل عملها في قلوبهم ثم في تصرفاتهم.
وفي ديوان الشافعي رحمه الله:
وإن كثرت عيوبك في البرايا وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء
ثم قال المؤلف في ص 50: " الذي يوفر لأولاده وزوجته المال والطعام والشراب لم يكسب قلوبهم، وإنما كسب بطونهم ".
أقول: من وفر ذلك لأهله فقد أحسن إليهم في هذا الجانب، وأدى ماأوجبه الله عليه من النفقة عليهم ويرجى له الأجر والثواب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:"إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ من أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ الناس وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بها وَجْهَ اللَّهِ إلا أُجِرْتَ بها حتى ما تَجْعَلُ في في امْرَأَتِكَ " متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام:" دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ في سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ في رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ على مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ على أَهْلِكَ؛ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الذي أَنْفَقْتَهُ على أَهْلِكَ"رواه مسلم.
وهذه النفقة سبب من أسباب كسب قلب الزوجة والأولاد، وقد ذكر المؤلف حديث أم زرع في كتابه، فليتأمل قول أم زرع وهي تعدد مناقب زوجها ومنها إنفاقه عليها بالحلي وبالطعام فقالت:" زَوْجِي أبو زَرْعٍ فما أبو زَرْعٍ! أَنَاسَ من حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلَأَ من شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجحَتْ إلي نَفْسِي، وَجَدَنِي في أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي في أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فلا أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فأتقنح " متفق عليه.
وقال البخاري رحمه الله: بَاب وُجُوبِ النَّفَقَةِ على الأهل وَالْعِيَالِ. حدثنا عُمَرُ بن حَفْصٍ حدثنا أبي حدثنا الْأَعْمَشُ حدثنا أبو صَالِحٍ قال: حدثني أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ ما تَرَكَ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ من الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ". تَقُولُ الْمَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الِابْنُ: أَطْعِمْنِي! إلى من تَدَعُنِي؟. فَقَالُوا: يا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْتَ هذا من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: لَا هذا من كِيسِ أبي هُرَيْرَةَ [يعني الزيادة المذكورة في آخره].وهذا يبين عاقبة التقصير في واجب النفقة، وأثره في موقف الزوجة والأولاد والمماليك تجاه من يعولهم عندما يقصر في واجبه.
والمقصود أن الزوج يكسب قلب زوجته وأولاده بإحسانه، والإحسان نوعان: نوع مادي، وهو النفقة ومايتعلق بنفعهم في جانب دنياهم، ونوع معنوي وهو نفعهم في جانب دينهم، وطيب العشرة والمعاملة.
ولايغني أحد النوعين عن الآخر. فالمؤلف يرى أن الذي يوفر النفقة لزوجته وأولاده لايكسب قلوبهم وإنما يكسب بطونهم، ويرى أنه إنما يكسب قلوبهم بابتسامته ولطفه وحسن حديثه. وأقول: لو أن الزوج فعل ماذكره المؤلف فاقتصر على الابتسامة واللطف، ولم ينفق على زوجته وأولاده شيئا، وهو قادر وتركهم في فقر وحاجة يتكففون الناس، أكان سيكسب قلوبهم أيضا بابتسامته العريضة؟!
ومن أمثلة ذلك قول المؤلف في ص 56: " عائشة كانت شخصيتها انفتاحية ".
أقول: الشخصية الانفتاحية مصطلح معروف في علم النفس، ولها صفات وعيوب مذكورة في ذلك العلم وأرى أنه لاينبغي إطلاق هذه المصطلحات على الصحابة لما قد يترتب على ذلك من مفاسد.
¥