تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن أمثلة ذلك قول المؤلف في ص 290 بعنوان الشجاعة: " قال لي بعدما خرجنا من الوليمة: تصدق كنت أعرف اسم الصحابي الذي ذكرتم قصته، ولم تتذكروا اسمه؟ قلت: عجبا! لماذا لم تذكره، وقد رأيتنا متحيرين؟!. خفض رأسه وقال: خجلت أن أتكلم. قلت في نفسي: تبا للجبن ".

أقول: لايكون ذلك جبنا في كل الأحوال، بل ربما كان أمرا يحمد عليه. ومن هذا مارواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ من الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي ما هِيَ؟ " فَوَقَعَ الناس في شَجَرِ الْبَوَادِي، قال عبد اللَّهِ: وَوَقَعَ في نَفْسِي أنها النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قالوا: حَدِّثْنَا ما هِيَ يا رَسُولَ اللَّهِ قال: "هِيَ النَّخْلَةُ ". وفي رواية لهما:فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وفي رواية لمسلم: فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا فإذا أَسْنَانُ الْقَوْمِ فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ. قال ابن القيم في فوائد هذا الحديث: " وفيه ما كان عليه الصحابة من الحياء من أكابرهم وإجلالهم وإمساكهم عن الكلام بين أيديهم " (زاد المعاد 4/ 397).

وقال ابن حجر في فوائد الحديث: " وفيه توقير الكبير وتقديم الصغير أباه في القول، وأنه لا يبادره بما فهمه وإن ظن أنه الصواب " (فتح الباري 1/ 147).

ومن أمثلة ذلك قول المؤلف في ص 291: " أسمع هذه التصرفات كثيرا، فأتمنى أن أصرخ فيهم: ياجبناء إلى متى؟ الجبان لايبني مجدا، هو صفر على الشمال دائما. إن حضر مجلسا تلحف بجبنه ولم يشارك برأي أو ينطق بكلمة. وإن ذكروا نكتة ضحكوا وعلقوا أما هو فخفض رأسه وتبسم. وإن حضر اجتماعا لم ينتبه أحد لوجوده ".

أقول: هذا الكلام على إطلاقه غير صحيح؛ لأن معناه أن الإنسان مطلوب منه أن يتكلم في أي مجلس يجلس فيه، وأن يشارك في أي شيء يطرح فيه ولو كان الضحك على نكتة والتعليق عليها ولايكتفي بالتبسم فهذا غير كاف عند المؤلف ليخرج الشخص من الجبن!

ليس في كل الأحيان تكون المشاركة في الحديث مطلوبة أو محمودة، فأحيانا يكون الامتناع عن المشاركة هو المطلوب والمحمود. قال الله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} (القصص:55) قال الطبري في تفسيرها: " وإذا سمع هؤلاء القوم الذين آتيناهم الكتاب اللغو، وهو الباطل من القول أعرضوا عنه، وقالوا: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، لا يجارون أهل الجهل والباطل في باطلهم، أتاهم من أمر الله ما وقذهم عن ذلك " (تفسير الطبري 20/ 90).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" متفق عليه. قال النووي: معناه أنه إذا أراد أن يتكلم فإن كان ما يتكلم به خيرا محققا يثاب عليه واجبا أومندوبا فليتكلم وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح مستوي الطرفين فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورا بتركه مندوبا إلى الإمساك عنه مخافة من انجراره إلى المحرم أو المكروه وهذا يقع في العادة كثيرا أو غالبا وقد قال الله تعالى {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} (شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 19).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن قيل وقال كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث المغيرة رضي الله عنه. قال النووي: وأما قيل وقال فهو الخوض في أخبار الناس وحكايات مالا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم (شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 11).

وأحيانا يكون الامتناع من المشاركة والكلام في المجلس لاعتبارات أخرى، كوجود من هو أكبر سنا أو علما أو خشية مفسدة. ففي الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يتكلم ومعه من هو أكبر منه:"كَبِّرْ كَبِّرْ "يُرِيدُ السِّنَّ. قال ابن بطال: " يريد ليتكلم الأكبر، وهذا من باب أدب الإسلام " (شرح صحيح البخاري لابن بطال 1/ 64)

وقال سلمة بن كهيل: كان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء؛ لسنه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير