وروى ابن ماجه بسنده عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إياكم والتمادح؛ فإنه الذبح"، وحسنه الألباني في الصحيحة ح1284.
قال البغوي: وفي الجملة المدح والثناء على الرجل مكروهٌ، لأنه قلما يسلم المادح من كذب يقوله في مدحه وقلما يسلم الممدوح من عجبٍ يدخله (شرح السنة 13/ 151).
وأما ماورد من أحاديث تدل على إباحة المدح في بعض الأحيان أو الأحوال أو بقيود فذكر النووي أن العلماء جمعوا بينها بأنه إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين ورياضة نفس ومعرفة تامة بحيث لا يفتتن ولا يغتر بذلك، ولا تلعب به نفسه فليس بحرام ولا مكروه، وإن خيف عليه شيء من هذه الأمور كره مدحه في وجهه كراهة شديدة (رياض الصالحين 326).
ومن أمثلة ذلك قول المؤلف في ص 23 معلقا على قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأَمْرَ حتى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ حتى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ في غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ" قال الدكتور: " أي سيقوى الإسلام إلى درجة أن المرأة المسلمة الحاجة تخرج من الحيرة حتى تصل إلى مكة ليس معها إلا محرم ".
أقول: لم أجد أحدا من العلماء السابقين فسر الحديث بمافسره به الدكتور العريفي أعني حمل الحديث على وجود محرم مع المرأة، لأن ظاهر الحديث وسياقه يخالفه.
وقد استدل بالحديث من جوز سفر المرأة للحج الواجب بلامحرم، إذ لم يذكر لها زوجا ولامحرما، قالوا: فلولا جوازه لما أقر عليه (انظر شرح فتح القدير 2/ 420، الحاوي الكبير 11/ 265، فتح الباري 4/ 76)
والمانعون من ذلك لم يجيبوا عن هذا بماذكره العريفي من أنه محمول على أن معها محرما، وإنما أجابوا عنه بأن ماذكر فيه لايقصد إقراره وإنما يقصد به بيان ماسيقع بالفعل دون بيان حكمه، كما جاء الإخبار في أشراط الساعة من بيع أمهات الأولاد أو أنه يكثر القتل، وليس هذا إقرارا عليه، وإنما هو بيان لماسيكون.
(انظر المغني 3/ 97، فتح الباري 4/ 76)
ومن أمثلة ذلك قول المؤلف في ص 22 معرفا الركوسية: ديانة نصرانية مشربة بشيء من المجوسية.
أقول: الذي قاله العلماء في تعريف الركوسية أنه دين بين النصارى والصابئين.
قال أبوعبيد القاسم بن سلام: فيروى تفسير الركوسية عن ابن سيرين أنه قال: هو دين بين النصارى والصابئين (غريب الحديث 3/ 87). وبهذا فسره كل من وقفت عليه من العلماء الذين فسروا هذه اللفظة.
والصابئون غير المجوس كماهو معلوم، وقد قال تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا} (الآية من سورة الحج 17).
المحور الرابع: الأحاديث المذكورة في الكتاب
لم يذكر المؤلف في كتابه منهجه في اختيار الأحاديث التي يوردها في كتابه، وقد تتبعت مافي هذا الكتاب من الأحاديث فوجدت فيه خمسة وثلاثين ومائتي حديث (235) تقريبا، ويؤخذ على المؤلف في طريقته في ذكر الأحاديث مايلي:
1 - المأخذ الأول: أنه لم يذكر تخريجا إلا لأربعة وتسعين حديثا منها، وأما الباقي فقد ذكرها من غير تخريج ولاعزو، ولابيان لدرجة الحديث من حيث الثبوت وعدمه.
2 - المأخذ الثاني: أن التخريج الذي يذكره أحيانا ليس دقيقا في بعض المواضع.
من أمثلة ذلك قول المؤلف في ص 53: وقال صلى الله عليه وسلم:" أكمل المؤمنين إيمانا أحاسنهم أخلاقا الموطنون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير فيمن لايألف ولا يؤلف" رواه الترمذي (صحيح).
أقول: هذا الحديث بهذا التمام لم يروه الترمذي، وإنما الذي رواه الطبراني في معجمه الصغير ح605، ومعجمه الأوسط ح 4422 بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقد حسنه الألباني وذكره في الصحيحة ح 751. وإنما روى الترمذي حديث أبي هريرة رضي الله عنه:" أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا"، وحديث عائشة رضي الله عنها:" إِنَّ من أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنهُمْ خُلُقًا وَأَلْطَفهُمْ بِأَهْلِهِ "
ومن أمثلة ذلك قول المؤلف في ص 53: وقال صلى الله عليه وسلم:"إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار" رواه الترمذي (صحيح).
¥