تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقول: من أين لك أن عمر رضي الله عنه فرح بهذا الثناء؟ وهل هذه الكلمة يقصد منها الثناء أصلا؟ إنما المقصود بيان العلة من نهيه عن المزاحمة على الحجر فهو قوي البدن فإذا زاحم الضعفاء آذاهم لقوة بدنه، فالكلمة لايفهم منها ثناء ليفرح بها عمر كماذكر المؤلف، ولهذا لم أجد أحدا ذكر هذا الحديث في مناقب عمر رضي الله عنه. وليس في الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قال "إنك رجل قوي" ثم سكت ثم أكمل الجملة ليقال: إن عمر حين سمع الجملة الأولى فرح، ففي رواية أحمد: "يا عُمَرُ إِنَّكَ رَجُلٌ قوي لاَ تُزَاحِمْ على الْحَجَرِ فَتُؤْذِىَ الضَّعِيفَ "، وفي رواية الطبري في تهذيب الآثار "يا أبا حفص إنك رجل قوى وإنك تزاحم على الركن فتؤذي الضعيف"، وفي رواية أخرى للطبري أيضا "إنك رجل شديد تزاحم على الحجر "

ومن أمثلة ذلك أن المؤلف ذكر في ص 28 قصة زاهر بن حرام رضي الله عنه، ولم يذكر من أخرجها، وقد أخرجها أحمد وابن حبان وغيرهما، لكن المؤلف ذكر فيها زيادة لم أجد لها مصدرا، وهي قوله: (خرج زاهر يوما من باديته فأتى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجده، وكان معه متاع فذهب به إلى السوق، فلماعلم به النبي صلى الله عليه وسلم مضى إلى السوق يبحث عنه فأتاه فإذا هو يبيع متاعه، والعرق يتصبب منه، وثيابه ثياب أهل البادية بشكلها ورائحتها).

ولفظ الحديث عند أحمد:" أَنَّ رَجُلاً من أَهْلِ الْبَادِيَةِ كان اسْمُهُ زَاهِراً كان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ فَيُجَهِّزُهُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن زَاهِراً بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُحِبُّهُ وكان رَجُلاً دَمِيماً، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يَوْماً وهو يَبِيعُ مَتَاعَهُ فَاحْتَضَنَهُ من خَلْفِهِ وهو لا يُبْصِرُهُ " الحديث، ونحوه في غيره من المصادر ولم أجد ماذكره المؤلف.

ومن أمثلة ذلك أن المؤلف ذكر ص 370 في مبحث فن الاستماع قصة إسلام ضماد وقال: فلما لقيه ضماد وتأمل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا وجه مشرق وزين، لكن ضمادا صرح بما جاء لأجله وقال: يامحمد إني أرقي من هذه الرياح وإن الله يشفي على يدي من شاء فهلم أعالجك، وجعل يتكلم عن علاجه وقدراته، والنبي صلى الله عليه وسلم ينصت إليه، وذاك يتكلم، والنبي صلى الله عليه وسلم ينصت أتدري ينصت إلى ماذا؟ ينصت إلى كلام رجل كافر جاء ليعالجه من مرض الجنون! آآآه ماأحكمه صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتهى ضماد من كلامه قال صلى الله عليه وسلم بكل هدوء: إن الحمدلله نحمده ونستعينه ...

أقول: الحديث رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهماأَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ، وكان من أَزْدِ شَنُوءَةَ، وكان يَرْقِي من هذه الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ من أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ، فقال: لو أني رأيت هذا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ على يَدَيَّ، قال فَلَقِيَهُ فقال: يا محمد إني أَرْقِي من هذه الرِّيحِ وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي على يَدِي من شَاءَ فَهَلْ لك؟ فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُه الحديث.

فقارن بين ماذكره المؤلف والقصة في مصدرها، ولاحظ كيف زاد المؤلف في القصة مايجعلها تؤدي مقصوده من الاستدلال بها على فن الاستماع، فأطال في تقرير إنصات النبي صلى الله عليه وسلم لضماد، وأن ضمادا تكلم عن قدراته وعلاجه، والنبي صلى الله عليه وسلم ينصت وينصت، وهذا كله ليس في الرواية كما ترى.

ومن أمثلة ذلك ماذكره المؤلف في ص 40 في قصة الرجل الذي اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال فيها: كان الرسول صلى الله عليه وسلم وحيدا ليس عليه إلا إزار.

أقول: لم يذكر المؤلف مصدر هذه الزيادة، والحديث في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث، ولم يذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه آنذاك إلا إزار.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير