تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والأمر الآخر الذي يشهد ببطلان هذه القصة أنها تدل على أن عمر لم يكن يفاضل بين الناس في العطاء، وهذا مناقض لما هو معروف من سيرة عمر رضي الله عنه أنه كان يفضل بعض الصحابة على بعض في العطاء على قدر السابقة في الإسلام والقربى من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عبدالبر: والآثار عنه في قسمته وسيرته في الفيء وتفضيله كثيرة لم تختلف في التفضيل (الاستذكار 3/ 248).

وقال الإمام ابن تيمية: كان [يعني عمر] يقدمهم [يعني آل البيت] في العطاء على جميع الناس ويفضلهم في العطاء على جميع الناس حتى إنه لما وضع الديوان للعطاء وكتب أسماء الناس قالوا: نبدأ بك قال: لا، ابدأوا بأقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضعوا عمر حيث وضعه الله فبدأ ببني هاشم وضم إليهم بني المطلب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام" فقدم العباس وعليا والحسن والحسين وفرض لهم أكثر مما فرض لنظرائهم من سائر القبائل، وفضل أسامة بن زيد على ابنه عبد الله في العطاء فغضب ابنه وقال: تفضل علي أسامة؟ قال: فإنه كان أحب إلى رسول الله منك، وكان أبوه أحب إلى رسول الله من أبيك. وهذا الذي ذكرناه من تقديمه بني هاشم وتفضيله لهم أمر مشهور عند جميع العلماء بالسير لم يختلف فيه اثنان (منهاج السنة 6/ 33).

ومن أمثلة ذلك ماذكره المؤلف في ص 278 فقال: كان أبوبكر رضي الله عنه إذا صلى الفجر خرج إلى الصحراء، فاحتبس فيها شيئا يسيرا، ثم عاد إلى المدينة. فعجب عمر رضي الله عنه من خروجه فتبعه يوما خفية بعدما صلى الفجر فإذا أبوبكر يخرج من المدينة، ويأتي على خيمة قديمة في الصحراء فاختبأ له عمر خلف صخرة، فلبث أبوبكر في الخيمة شيئا يسيرا ثم خرج فخرج عمر من وراء صخرته ودخل الخيمة فإذا فيها امرأة ضعيفة عمياء وعندها صبية صغار، فسألها عمر: من هذا الذي يأتيكم، فقالت: لا أعرفه، هذا رجل من المسلمين يأتينا كل صباح منذ كذا وكذا، قال: فماذا يفعل؟ قالت: يكنس بيتنا، ويعجن عجيننا ويحلب داجننا ثم يخرج. فخرج عمر وهو يقول: لقد أتعبت الخلفاء من بعدك ياأبابكر، لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبابكر.

أقول: لم يذكر المؤلف مصدر هذه القصة، ولم أجدها بهذا السياق، وإنما وجدتها في عدة مصادر أقدمها تاريخ دمشق لابن عساكر 30/ 322 رواها بسنده عن أبي صالح الغفاري أن عمر بن الخطاب كان يتعاهد عجوزا كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل، فيستقي لها ويقوم بأمرها، فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها، فأصلح ما أرادت، فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها، فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الصديق الذي يأتيها وهو يومئذ خليفة، فقال عمر: أنت هو لعمري.

وأبوصالح الغفاري هو سعيد بن عبدالرحمن، وهو لم يدرك عمر، فالسند منقطع، لكن قارن بين القصة في مصدرها، والقصة كما ذكرها المؤلف ومازاده فيها!

ومن أمثلة ذلك ماذكره المؤلف في ص 296 فقال: ذُكِر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعس ليلة من الليالي يراقب وينظر فمر بأحد البيوت في ظلمة الليل فسمع فيه أصوات ضحك وعبث وكأنها أصوات رجال سكارى، فكره أن يطرق عليهم الباب ليلا وخشي أن يكون ظنه خاطئا، وأراد أن يتثبت من الأمر، فتناول كسرة فحم من على الأرض ووضع بها علامة على الباب ومضى. سمع صاحب الدار صوتا عن (كذا) الباب فخرج فرأى العلامة ورأى ظهر عمر موليا ففهم القصة، فكان الأصل أن يمسح العلامة وينتهي الأمر لكن الرجل لم يفعل ذلك، وإنما أخذ كسرة الفحم وأقبل إلى بيوت جيرانه، وجعل يرسم على أبوابها علامات، وكأنه يريد أن ينزل الناس إلى مستواه ليكونوا سكارى مثله، ولايريد أن يرتفع إلى مستواهم.

أقول: ليس فيما فعله الرجل مايدل على أنه يريد أن يكون الناس مثله، وإنما الذي يظهر أنه فعل ذلك تعمية على من يبحث عنه، فإنه إذا وجد العلامة نفسها على الأبواب كلها لم يهتد إلى البيت المقصود، أما مسح العلامة فقد لايحقق المقصود بسبب بقاء بعض أثرها أو أثر المسح ونحو ذلك. وربما أراد أن يوصل رسالة وهي أن لكل بيت أسراره، والمؤمن منهي عن التجسس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير