ومن أمثلة ذلك ماذكره المؤلف في ص 224 بعد أن ذكر قصة أبي حنيفة وتلميذه أبي يوسف في مسألة الثوب والقصار: فقال أبوحنيفة في جواب المسألة: ننظر في مقدار تقصير الخياط للثوب، فإن كان قصره على مقاس الرجل، فمعنى ذلك أنه قام بالعمل كاملا، ثم بدا له أن يجحد الثوب، فيكون قام بالعمل لأجل الرجل، فيستحق عليه الأجرة، وإن كان قصره على مقاس نفسه فمعنى ذلك أنه قام بالعمل لأجل نفسه فلايستحق على ذلك أجرة. فقبل أبويوسف رأس أبي حنيفة، ولازمه حتى مات أبوحنيفة.
أقول: قد بحثت في مصادر هذه القصة فلم أجد جواب أبي حنيفة كماذكره العريفي، وإنما الذي فيها قول أبي حنيفة: إن كان قصره بعدما غصبه فلا أجرة له لأنه إنما قصره لنفسه، وإن كان قصره قبل أن يغصبه فله الأجرة لأنه قصره لصاحبه، ثم قال: من ظن أنه يستغني عن التعلم فليبك على نفسه.
(انظر أخبار أبي حنيفة /29، الفقيه والمتفقه 2/ 79، تاريخ بغداد 13/ 350، المنتظم 8/ 130)
ولم أجد في مصادر هذه القصة التي وقفت عليها ماذكره العريفي من أن أبايوسف بعد هذه القصة قبل رأس أبي حنيفة، ولازمه حتى مات أبوحنيفة.
ومن أمثلة ذلك أن المؤلف ذكر في ص 15 قصة تاجر في الأندلس فقال: ذكر ابن حزم في كتابه طوق الحمامة أنه كان في الأندلس تاجر مشهور وقع بينه وبين أربعة من التجار تنافس فأبغضوه وعزموا على أن يزعجوه ... ثم ذكر القصة بطولها إلى أن قال: قال ابن حزم: فلقد كنت أراه بعدها في شوارع الأندلس مجنونا يحذفه الصبيان بالحصى. ثم علق في الحاشية بقوله: القصة على ذمة ابن حزم رحمه الله.
أقول: قد استعرضت كتاب طوق الحمامة لابن حزم أبحث فيه عن القصة التي نسبها المؤلف إليه وجعل عهدتها في ذمته، فلم أجد لها أي أثر في هذا الكتاب. وقد وجدت كثيرين في المنتديات يذكرون القصة وينسبونها إلى ابن حزم ويجعلون عهدتها في ذمته نقلا عن الدكتور العريفي!
ومن أمثلة ذلك أن المؤلف استشهد في ص25 بقصة الشاعر علي بن الجهم مع الخليفة العباسي المتوكل، وذكر أن ابن الجهم كان أعرابيا جلفا لايعرف من الحياة إلا ماكان في الصحراء، وأنه مدح الخليفة بقوله:
أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب إلى آخر ماذكره.
أقول: هذه القصة مكذوبة، كما ذكر خليل مردم محقق ديوان علي بن الجهم، ود/عبدالله بن سليم الرشيد في مقال له منشور في المجلة العربية العدد250، وذكر الرشيد أنه بحث عنها فلم يجد لها أصلا في كتب المتقدمين، ولم يجدلها ذكرا إلا في مصدر واحد وهو محاضرات الأبرار لابن عربي الصوفي، وقد ذكرها بلاإسناد، واكتفى بقوله (حكى لنا بعض الأدباء)، قال الرشيد: بين ابن الجهم (ت 249)، وابن عربي (638) مايقارب أربعة قرون، فأين انزوت هذه القصة الطريفة طوال أربعمائة سنة. زد إلى ذلك أن ابن عربي نفسه متهم في دينه، مطعون في إيمانه، بل متهم بالكفر.ثم ذكر الدكتور الرشيد مايدل على بطلان القصة من متنها، وأن ابن الجهم لم يكن بدويا، وإنما ولد في بغداد، وله صلة بالخلفاء العباسيين قبل المتوكل
إلى آخر ماذكره، وقد أحسن. ويؤيد ماذكره الدكتور الرشيد أن المرزباني ذكر في ترجمة ابن الجهم في معجم الشعراء ص 44 أنه مدح المعتصم والواثق وجالس المتوكل، فصلته بالخلفاء لم تبدأ بالمتوكل، بل إن له ذكرا مع المأمون كمافي محاضرات الأدباء 1/ 293، والمأمون كان قبل المعتصم كماهو معروف.
والعجيب أن القصة مع كونها مكذوبة لم يرد فيها كثير مماذكره العريفي فيها كقوله: (فثار الخليفة وانتفض الحراس واستل السياف سيفه وفرش النطع وتجهز للقتل)، فهذا لم يذكر في مصدر القصة الوحيد، وإنما ذُكر أن المتوكل بعد أن سمع ماقاله ابن الجهم عرف المتوكل حسن مقصده، وخشونة لفظه، وأنه مارأى سوى ماشبهه به، لعدم المخالطة وملازمة البادية، فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة، فيها بستان حسن .. إلى آخر القصة.
ومن الأمثال التي ذكرها المؤلف ماذكره في ص 30 فقال: " كان جدي يستشهد بمثل قديم" من غاب عن عنزه جابت تيس" بمعنى أن من لم تجد عنده زوجته مايشبع عاطفتها ويروي نفسها فقد تحدثها نفسها بالاستجابة لغيره ممن يملك معسول الكلام ".
¥