أما الشيخ أبوسليمان التميمي فأنا أتعجب من قوله:"وأنا لوعلمت أنه سيعدل لبادرت إلى شراء عدد من النسخ قبل أن تظهر الطبعة المعدلة " مع أنه يقول:" ملحوظاتكم مهمة وخصوصا طلب التثبت من صحة الأحاديث "، فإذا كانت الملحوظات مهمة، والتثبت من الأحاديث مطلوبا فكيف يفضل بقاء الكتاب على صورته الأولى قبل التعديل؟ هذا تناقض؟!
وأما قوله:" الكتاب ليس بحثا علميا، بل كتاب ثقافي موجه للعامة، فمن المعقول أن يتجوز فيه ويتوسع " فأرد عليه بالتالي:
1 - هل الكتاب الثقافي الموجه للعامة يجوز أن تذكر فيه المعلومات مغلوطة؟ وصدق الأخ الشيخ أبوالعباس الحضرمي حين قال:" وكون الكتاب موجها للعوام يجعله أولى وأحرى بالتمحيص لأن طالب العلم يستطيع أن يميز بخلاف العامي"، وهذا حق، ولو كان الكتاب موجها لطلبة العلم لما كتبت في نقده لأن طلاب العلم يعرفون ذلك ويميزون، ولكنه لما كان موجها للعامة، فسيأخذون مايقوله الشيخ العريفي مسلمات، لثقتهم فيه لشهرته، ولكونه مختصا في الشريعة. ولأضرب مثلا: لو أن جماعة من قراء الكتاب تأثروا بقصة سلمان وعمر رضي الله عنهما التي ذكرها العريفي وهي باطلة، وقالوا: مادام الصحابي ثار على الخليفة عمر وأعلن نقض السمع والطاعة لأجل ثوب استأثر به عليهم، فنحن لنا العذر في أن نثور على الحاكم لاستئثاره علينا بالأموال، فماذا ترى ياأبا سليمان؟ هل تؤيد إبقاء هذه القصة الباطلة المخالفة للنصوص الشرعية ولعقيدة أهل السنة والجماعة، هل تؤيد إبقاءها في الكتاب الذي تريد أن تشتري منه نسخا قبل أن يعدل؟!
وليُعلم أن أصل نقد الكتاب منصب على عدم التثبت من بعض مايذكره من الأحاديث والأخبار، فلو أن المؤلف التزم التثبت في كل مايذكره لما كتبت في نقده، وبقيت المسائل الأخرى محل نقاش لاتفرد بنقد، لكن المؤلف لما أورد في كتابه من الأحاديث والأخبار مايجب التنبيه عليه، وكتبت نقدي في ذلك، رأيت أن أعلق على كل ماأرى التعليق عليه مناسبا وإن كان خطأ يسيرا، والشيء بالشيء يذكر.
2 - الأمر الآخر الذي أحب أن أنبه أخي التميمي عليه أن العامة لاتنتظر من الشيخ العريفي وأمثاله من المختصين في الشريعة أن يؤلف كتابا فيه قصص وحكايات يسليهم بها، فهذا أمر يفعله العوام فمنهم قصاص يأسرون قلوب الحاضرين في المجالس حين يذكرون ماعندهم من القصص. وإنما المنتظر منه أن يؤلف كتابا يقرب فيه ماعنده من العلم الشرعي بأسلوب يقبله جمهوره من العوام، لا أن يعرض عن نصوص الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة كمايرى الأخ التميمي بحجة أن الكتاب ليس علميا وإنما هو كتاب ثقافي موجه للعامة، أقول: هل الكتاب والسنة خاصان بالعلماء دون عامة الناس؟ إنه لايصلح آخر هذه الأمة إلا ماأصلح أولها كما قال الإمام مالك، فالواجب ربط العامة بدينهم، فيربون على الكتاب والسنة بمنهج سلف الأمة، ويُعَلَّمون أن كل مايحتاجون إليه يجدونه في دينهم، فالمادة العلمية واحدة، ولكن هنا يأتي دور الأسلوب فيستعمل المؤلف خبرته في تقديم تلك المادة في أسلوب يجذب جمهوره من العوام، ولامانع بعد أن يؤصل المسألة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة بإيجاز وبأسلوب مناسب أن يذكر تجاربه وقصصه وذكرياته التي تخدم المسألة.
وغالب الموضوعات التي طرقها ليست جديدة كماذكرت بل فيها نصوص شرعية وعناية من العلماء ببحثها، فلماذا نترك هذا الأصل الأصيل بمافيه من الخير والنور، ونذهب نعلم العامة تلك الموضوعات من قصص وحكايات ونكت؟ {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير}.
3 - أننا لم نطالب بأن يخرج الكتاب في صورة بحث علمي فيه توثيق كامل للمعلومات، وإنما نطالب بوضع منهج صحيح يلتزم به المؤلف، كأن يقول في أول الكتاب: إنني لن أشتغل بالعزو والتخريج، لكنني لن أضع في كتابي إلا ماهو ثابت، ومنقول من مصدره المعتبر، حتى يثق القارئ فيما يقدم إليه. لو فعل ذلك والتزم به لما انتقدناه.
4 - أن نفي الأخ التميمي كون الكتاب علميا وإصراره على أنه كتاب ثقافي للعامة فقط هذا شيء لايسلم به المؤلف نفسه فقد كتب على غلاف الكتاب: فنون التعامل مع الناس في ظل السيرة النبوية، حصيلة بحوث ودورات وذكريات أكثر من عشرين سنة، وذكر في مقدمته أن هذا الكتاب ليس وليد شهر أو سنة بل هو نتيجة دراسات قام بها لمدة عشرين عاما.
فكلام الأخ التميمي فيه إزراء بالكتاب وإن لم يشعر بذلك، فقد ظل المؤلف عشرين سنة يؤلف فيه فهو حصيلة بحوث ودورات ودراسات، وكتاب بذل فيه مؤلفه هذا كله لايرقى في نظر الأخ التميمي إلى أن يكون كتابا علميا، وإنما هو كتاب ثقافي موجه للعامة فقط.
والمؤلف لم يرد لكتابه أن يكون مجردكتاب ثقافي للتسلية، بل قال في ص16: " مهارات مدروسة منورة بنصوص الوحيين ". ولهذا ذكر فيه كثيرا من الأحاديث وقصص السيرة، واستنبط منها واستدل بها على قواعد في التعامل هو يراها، لكن فاته ماهو أهم كمابينت ذلك في تعليقاتي.
وأشكركم جميعا أيها الإخوة، وأسأل الله أن يحفظكم، ويبارك فيكم، وأن يجعلنا جميعا هداة مهتدين موفقين مسددين مستمسكين بالحق دائرين معه حيثما دار.
وليكن هذا التعليق آخر مشاركة لي في هذا الموضوع، حرصا على الوقت، والواجبات أكثر من الأوقات، وقد قال تعالى: {كلا لما يقض ماأمره}، قال مجاهد: لا يقضي أحد أبدا كل ما فرض عليه.
¥