قال الكاتب: ((لقد كان الأمير عبدالقادر ذا ثقافةعلمية واسعة، فقد كان أبوه الشيخ محيي الدين يُعِدُّه لمشيخة الطريقة القادرية منبعده، وحتى تكتمل صورة الأمير عبد القادر، فقد تلقى الشاب مجموعة من العلوم فقد درس الفلسفة (رسائل إخوان الصفا - أرسطوطاليس - فيثاغورس) ودرس الفقه والحديث فدرس صحيح البخاري ومسلم، وقام بتدريسهما، كما تلقى الألفية في النحو، والسنوسية، والعقائد النسفية في التوحيد، وايساغوجي في المنطق، والإتقان في علوم القرآن)) انتهى
والسؤال: هل هذه العلوم يتلقاها من يُعدّ ليصبح شيخ طريقة؟!
وأقول للكاتب من أين علمت أنه درس رسائل إخوان الصفا؟ ففيما قرأتُه عن الأمير من تراجم لم أجد أحدًا ذكرها، مع أنهم ذكروا الكثير مما لم يورده الكاتب أصلاً! وسؤالي ليس استنكارياً وإنما يهمني أن أعرف المصدر.
يقول شارل هنري تشرشل: ((إن الأمير قرأ أعمال أفلاطون، وفيثاغورث، وأرسطو، ودرس كتابات مشاهير المؤلفين من عهود الخلافة العربية عن التاريخ القديم والحديث، وعن الفلسفة، واللغة، الفلك، والجغرافية، بل حتى عن الطب، وقد تجمّعت لديه مكتبة ضخمة)).انتهى [حياة الأمير عبد القادر ص47. تفرّد تشرشل بذكر كتب أفلاطون وفيثاغورث وأرسطو!!]
لقد قرأتُ في كتاب الدكتور أبي القاسم سعد الله (تاريخ الجزائر الثقافي) 1/ 520، كثيراً من التعليقات على زوايا الطرق الصوفية التي كانت منتشرة في تلك الأيام، وكان ينقلُ كلام العلماء المعاصرين لتلك الزوايا والطرق والمنتقدين لبعض شيوخها وانحرافهم وتعاونهم مع الاستعمار، ولما وصل إلى الحديث عن جدّ الأمير وهو الحاج مصطفى والطريقة القادريّة، وصفه بأنه من علماء الوقت وصلحائه وأنه أنشأ زاوية بغرض أن تكون مركزًا للتعليم ومبعثًا للطريقة القادريّة، وبعد وفاته تولى أمر الزاوية ولده السيد محيي الدين الذي كان من شيوخ العلم المشهود لهم، وأصبح الشيخ محيي الدين يلقن أوراد الطريقة القادرية وينشر العلم من الزاوية التي كانت عبارة عن معهد ... إلى أن قال: كما أن القادرية قد اندمجت غداة الاحتلال في تيار الحركة الوطنية مستعملة نفوذها الروحي للدعوة إلى الجهاد ضد الفرنسيين)).انتهى كلام سعد الله.
ولم يذكر أي طعن فيه أو في زاويته كما فعل بباقي الزوايا والطرق. وما ذلك إلاّ للفرق الكبير بينها.
ملاحظة: [ينبغي أن نفرّق بين العلماء أو الفقهاء المتصوّفين الذين تلقوا أورادًا لبعض الطرق الصوفية، وبين رجال الطرق (الطرقيين) الذين ـ في أغلبهم وعامتهم ـ جهّال وأصحاب أغراض شخصية، ويعتمدون على الدجل والشعوذة!!]
وقال الدكتور سعد الله في معرض كلامه عن الأمير: (( .. إن المقاومة قد أخذت عليه كل الوقت وأصبح رمزاً لجمع الكلمة وتوحيد الشعب تحت راية الوطنيّة وليس مرابطًا يلقن أوراد الطريقة القادرية)).انتهى [المرجع السابق1/ 522]
والآن سأعرض لكم بعض النقول العلمية المتصلة بالموضوع:
أولاً؛ ترجمة السيد مصطفى بن محمد بن المختار الراشدي الحسني؛
ترجَمَهُ حفيدُه السيد أحمد الحسني فقال: ((كان رحمه الله عالماً عابداً زاهداً يُلقّب بسيبويه الإقليم، وكان يحفظ كتاب التصريح على التوضيح للشيخ خالد الأزهري عن ظهر قلب كحفظه الفاتحة، وأَقْرَأَ ألفيّة ابن مالك قراءة تحقيق وبحثٍ وتدقيق في محلٍّ واحد ثماني عشْرة مرّة، وأجازه إجازة عامّة الشيخ مرتضى الزَبيدي صاحب "تاج العروس" وكتَبَها له في نحو كرَّاسة، وقد كانت له المشيخة التّامة على جميع علماء الإقليم وكانت له الكلمة المسموعة عند الباي محمد حاكم وهران، وقد كان المذكور يُجلّه ويُوقّره وجعلَ له رئاسة المسجد الكبير "بمُعسْكَر".
ثمَّ انتقَلَ إلى وادي الحمام واختطَّ به قريةً سمّاها الراشديّة ثمّ غلَبَ عليها اسم "القيطنة" وذلك سنة 1198هـ وبنى بها مسجدًا ومحلاًّ لقراءة القرآن العظيم ومحلاًّ لطلبة العلم، وعيّنَ لهم مصروفًا من عنده في كل يوم، وتوفّي سنة اثنتي عشرة ومئتين وألف (1212هـ) عن ثلاثٍ وستين سنة عند ماءٍ يُعرف بعين غزالة)).انتهى [ترجمته في (نخبة ما تُسر به النواظر) لأحمد الحسني ص120]
ـ وقال عنه الشيخ عبد الرزاق البيطار في (حلية البشر): ((الفاضل الإمام والكامل الهمام، كعبة الأفاضل ومعدن الفضائل ... )).انتهى
¥