تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و هو الذي درّس الفقه المالكي والحديث النبوي، في الجامع الأموي ودار الحديث والمدرسة الجقمقيّة، وأجاز العلماء وطلاب العلم بصحيح البخاري ومسلم وموطّأ مالك، وإجازاتهم مازالت محفوظة إلى اليوم، ودرّس كتاب (الإتقان في علوم القرآن) للسيوطي و (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض، و (الرسالة) لابن أبي زيد القيرواني، وراسل أكابر علماء عصره وراسلوه أمثال الإمام الفقيه علي بن عبد السلام التسولي المالكي المغربي (الذي وضع كتابًا يعرض فيه أسئلة الأمير والجواب عليها وهو مطبوع)، والشيخ محمد الهادي العلوي الحسني القاضي بفاس (وجوابه للأمير موجود في تحفة الزائر 1/ 251)، ومفتي المالكية بمصر العلاّمة محمد عليش (الذي كان يُنكر بشدة على منحرفي الصوفيّة) وقد أثبت أسئلة الأمير في كتابه الشهير [فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك (ص 328)]، والعلاّمة الشيخ حسن العدوي المالكي (وجوابه مثبت في تحفة الزائر 2/ 124)، وغيرهم من علماء الشام والحجاز وتركيا، ولم يرد أي طعن فيه من جميع علماء عصره!!! وكان محلّ تقدير عندهم، وكل من ترجم له من العلماء في عصره أو قريبًا منه إنما كانوا يثنون عليه وعلى دينه؟ وأشرفَ على غسله وتكفينه الشيخ الأزهري عبد الرحمن عليش ابن الشيخ محمد المذكور آنفًا.

يقول الشيخ جميل الشطي في وصف الأمير: ((هو السيد عبد القادر ابن السيد محيي الدين ابن السيد مصطفى الجزائري المغربي الحسني نزيل دمشق، الأمير الشهير، السيد الخطير، العالم العارف، بحر العلوم والمعارف .... وبالجملة فقد كان إمامًا جليلاً عالمًا عاملاً، نبيلاً نبيهًا، زاهدًا ورِعًا، مُهابًا شجاعًا كريمًا حليمًا، رحمه الله تعالى وجعل الجنّة مثواه)).انتهى [(أعيان دمشق) للشطي ص179]

وهؤلاء العلماء الذين مدحوا الأمير وراسلوه أو لازموه، وعرفوه عن قرب، وحضروا دروسه في العقيدة والحديث، كانوا لا يسكتون عن فضح المنحرفين والزنادقة، بل يشنّعون فيمن ظهرت منه أفعال تعارض الشريعة، فهذا الشيخ عبد الرزاق البيطار في كتابه (حلية البشر) وفي الجزء الذي ترجم فيه لشيخه الأمير عبد القادر؛ يترجم قبله لـ "سعيد الخالدي الدمشقي الشاذلي اليشرطي" فيقول عنه:

ولد سنة إحدى وعشرين بعد المائتين والألف ونشأ من أول عمره في العبادة، والطاعة والزهادة، وزيارة الأولياء والجلوس في مجالس العلماء ... وقد بدأ المترجم بتعلم ما لا بد منه، وما لا يستغني المكلف عنه، ثم التفت إلى التعلم، والاستفادة والتفهم ... ولم يزل مستقيمًا على حاله متخلصًا من أوحاله، إلى أن حضر إلى "داريا"خليفة من خلفاء الشيخ علي المغربي اليشرطي الشاذلي وكان قد أرسله من عكا، واسمه الشيخ أحمد البقاعي، فأخذ المترجم عنه الطريق، ثم بعد ذلك ذهب إلى زيارة الشيخ في عكا فحضر من عنده وقد انعكست حالته، وانقلبت إلى ضدّها في الظاهر طاعته، وعلاه طيشٌ وجنون، ومن المعلوم أن الجنونَ فنون، فذهب رونقه، وبان نورقه، واستثقل أمره وانخفض قدره، فترك الفقه والأصول والمعقول والمنقول، واستخف بالعلماء، وجحد فضيلة الفضلاء، وأنكر العلم والعمل، وعن كثير من التكليفات اعتزل، وقال هذه واجبة على المحجوبين لا على المحبوبين؟! وكان كثيراً ما يتكلم بالكلام، الذي لا يرتضيه مَنْ في قلبه ذرةٌ مِنَ الإسلام، وصار لا يقول بواجب ولا مسنون، ويقول إن التمسك بذلك محض جنون، ومن دخل في الطريق وترقى في المقامات صارت ذاته عين الذات، وصفاته عين الصفات، وهل يجب على الله صلاة أو صيام بحال، وهل يقال في حقه عن شيء حرام أو حلال، وأمثال ذلك كثير لا يرام، ولو أردنا أن نطيل به لخرجنا عما يقتضيه المقام. وقد وافقه على ذلك عدة أشخاص، قد خرجوا من الدين ولات حين مناص، فتجاهروا بالآثام، ولم يتقيدوا بحلال أو حرام مع أن شيخهم الأستاذ (يعني: علي المغربي) قد أنكر عليهم، ووجه أشدّ الملام إليهم، وكتب لهم ينهاهم عن ذلك، ويزجرهم عن هذه المسالك، وهم يؤولون كلامه، حتى صاروا فرقة ذات متانة وحمية، وما زال يتفاقم أمرهم، ويكثر جمعهم، إلى أن نفى الحاكمُ بسببهم أستاذَهم إلى جزيرة قبرص، ناسبًا القصور إليه، وكان المترجم خطيبًا في قرية كفرسوسيا وهي قرية من الشام تبعد قيد ميل، وكان منها معاشه، مع التعظيم والتبجيل، ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير