لقد استنتج أن عقيدة وحدة الوجود عند ابن عربي تصحح عقيدة وحدة الأديان التي يكثر الحديث عنها اليوم وتتلاقى مع الماسونية!
وطبعًا هذا كلام غير دقيق. والكاتب لم يفرّق بين هذه المسميات في مقاله، لذلك نجد أنها متداخلة، والقارئ سيفهم أن الحلول يقابل وحدة الوجود، ووحدة الوجود تقابل الماسونية، والماسونية تقابل وحدة الأديان، ووحدة الأديان تقابل وحدة الوجود!
نعم إنّ بعض هذه المسميات يتقاطع مع بعضها الآخر في جزء من الأجزاء من الناحية الفلسفية ولكن ليس ضمن المفاهيم المستقرّة اليوم والتي يجري التعامل مع تلك المسميات وفقًا لها.
يقول الكاتب: ((ونظرية وحدة الوجود تقول بأن الله عز و جل موجود ـ و العياذ بالله ـ في كل مكان، و بذلك تصحِّح نظرية وحدة الأديان الذي أسماه ابن عربي (دين الحب) أيما تصحيح، بحيث تنضوي تحته كل عقيدة)).انتهى
تعريف وحدة الوجود عند الكاتب غير دقيق! وما ذكره هو عقيدة ومذهب الجهميّة!
وأنا لا أريد الخوض في تفاصيل هذا الموضوع حتى لا نشتت القرّاء ولكن سأنبّه على أشياء منه.
أولاً، الحلول: ((مذهبٌ يعتقد أصحابه أنّ الله تعالى حالٌّ في كل شيء، وفي كل جزء من كل شيء متحدٌ به، حتى صار يصح أن يطلق على كل شيء أنه الله، تغليبًا للاهوت على الناسوت.
والعقيدة الحلولية نجدها عند فرقة من المتصوّفة، وهي ليس وقفًا عليهم، وإنما لها جذورها في الديانات المجوسية والهندية واليهودية والنصرانيّة. فاليعاقبة، من النصارى القائلين بحلول الله سبحانه في جسد المسيح عليه السلام: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:72]
وعقيدة الحلول الموجودة عند المتصوفة تخالف المعتقدات الإسلامية؛ لأنهم يقصدون بها أن روح الله تعالى حلّت في بعض الأجسام التي اصطفاها واختارها، فانقلبت هذه الأجسام البشرية إلى آلهة تسير على الأرض وتعيش بين الناس.
أشهر القائلين بالحلول (الحلاّج)، وقد شرح عقيدة الحلول بقوله:"مَنْ هذَّبَ نفسه في الطاعة، وصبر على اللذات والشهوات، ارتقى إلى مقام المقرّبين، ثم لا يزال يصفو ويرتقي في درجات المصافاة حتى يصفو عن البشرية، فإذا لم يبق فيه من البشرية حظّ حلَّ فيه روح الإله الذي حلَّ في عيسى ابن مريم، ولم يُرِدْ حينئذ شيئًا إلاّ كان كما أراد، وكان جميع فعله فعل الله تعالى"
وكذلك (أبو يزيد البسطامي)، فقد روي عنه أنه دخل مدينة فتبعه فيها خلقٌ كثير، فالتفت إليهم وقال: {إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدون}. فقال الناس: "جُنَّ أبو يزيد" وتركوه.
وتُشبه عقيدة الحلول عند المتصوفة عقيدة التجلّي، إذ يكون فيها تجلي الذات الإلهية باسمٍ أو صفة. يقول (عبد الكريم الجيلي):"ومنهم من تجلّى الله عليه بصفة السمع، فيسمع نُطقَ الجمادات والنباتات والحيوانات وكلام الملائكة واختلاف اللغات ... وفي هذا التجلّي سمعتُ علم الرحمانية من الرحمن، فتعلمت قراءة القرآن، فكنتُ الرطل وكان الميزان، وهذا لا يفهمه إلاّ أهل القرآن"
من أشهر الفرق القائلة بالحلول، الحلاّجيّة والعذاقرة، إذ تعتقد الأولى أنّ روح الله حلّت في الحلاّج، والأخرى أنها حلّت في محمد بن السلمقاني الملقّب بأبي العذاقرة.
وقد أفتى الفقهاء بكفر هذه الفرق، وقالوا إنّ غايتها إفساد عقيدة التوحيد عند المسلمين، فالله مُنَزَّهٌ عن أن يحلَّ بشيء أو يحل به شيء)).انتهى [الموسوعة الإسلامية الميسّرة 5/ 936]
ثانيًا؛ إنّ وحدة الوجود: (مذهب فلسفي يوحِّد بين الله والعالم،ولا يُقِر إلاّ بوجود واحد هو الله، وكل ما عداه أعراضٌ له. وقد نشأت هذه الفكرة عن أصل ديني صدر عن البراهمة، وعن آراء علميّة ترمي إلى تفسير التغير والثبوت في العالم، وقد قال هذا إكسانوفان والرّواقيون، وظهر في الأفلاطونيّة الحديثة والفلسفة الحديثة إذ مَثّله سبينوزا، وتجلّت آثاره في مثاليّة نيتشه وهيغل.
¥