أمّا المسلمون فقد ظهر هذا المذهب بتوضيح جديد عندهم، ذكره الشيخ محيي الدين ابن عربي وابن سبعين وسواهما، وقد حاولوا شرحه بما لا يناقض عقيدتهم، فصعب الأمر، ووقعوا في إشكالات عجزوا عن تأييدها. ولذا جاء غير هؤلاء ليتحدّث عن وحدة الشهود بديلاً عن وحدة الوجود، بأن يُشاهد العارف هذه الحقيقة (وحدة الوجود) في ذات الله سبحانه وتعالى، واتفق الجميع على ضرورة التركيز على وحدة المعبود، وهذا الأسلم والأوضح، وقد دعا إلى هذا الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام)).انتهى [الموسوعة الإسلاميّة الميسّرة 10/ 2194]
وأقول: إن وحدة الوجود هي عقيدة ونظرية ظهرت قبل الإسلام وكان يقول بها كثير من الفلاسفة، والمصيبة الكبرى أن الذين خاضوا في الفلسفة من الصوفية اعتمدوا هذه النظرية. وبدأت هذه النظرية عندما ظنّ الفلاسفة أن الإله ـ الذي أثبتوا وحدانيّته بدايةً ـ لمّا أراد أن يوجد الخلق أوجَدَه من ذاته أي فصله عن ذاته، فالخلق كلّه جزء من الإله!! وهكذا راحت تكبر هذه النظرية وتحوّل الفلاسفة المثبتون للوحدانية بالأمس إلى ملاحدة ومشركين. وهذه النظرية لا ترى وجودًا لشيء اسمه أديان أصلاً.فهي لا تثبت ربًا ولا تثبت عبدًا فالكل واحد!! (والعياذ بالله)
ثالثًا، وأما وحدة الأديان فالمعروف أن أصحاب هذه الدعوة اليوم يزعمون أنّ جميع الأديان متفقة على الجوهر والكل يعبد الإله الواحد، فلا داعي للتصادم بين أهل تلك الأديان، وعليهم أن يتعايشوا وينسوا الفوارق بينهم ليحيوا بسلام. وهم لا ينطلقون من مفهوم وحدة الوجود أبدًا، وأصحاب هذه الدعوة اليوم يتمثلون في بعض الجمعيات الاجتماعية والإنسانية الموجودة في أوربة.
رابعًا، إن وحدة الوجود ووحدة الأديان لا علاقة لها بالحلول والاتحاد. الذي هو حلول الإله في مخلوقاته واتحاده معها! (عياذًا بالله)
خامسًا، إنّ الماسونية التي اتخذ المجمع الفقهي الإسلامي قراره الشرعي حولها في دورته 15/ 7/1978م =10/شعبان/1398هـ، كما جاء في البند السابع لقرار المجمع هي:"في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور، ويهودية الإدارة العليا العالمية السرية، وصهيونية النشاط".انتهى
والكل بات يعلم اليوم أنها دعوة لمحو الدين الإسلامي والديانة المسيحية وجعل الديانة اليهودية هي الوحيدة التي تحكم العالم، فالشعب اليهودي هو الذي يمثل الإنسان الكامل وهو الوحيد الذي يستحق الحياة، وأما ما سواه فهم خدم أو بهائم! ولذلك هم يسعون لإعادة بناء هيكل سليمان فوق كامل المسجد الأقصى. إذن فهم لا يقولون بوحدة الأديان أبدًا، ولا شأن لهم بوحدة الوجود، وإنما هم يهودٌ فحسب يؤمنون بكتبهم التي وضعوها وبنبوآتهم، وينتظرون مليكهم الأعور الدجال! ومن هذه الحيثية (أي الديانة اليهودية) يكون لعقيدة الحلول مدخلٌ في الماسونية، لا لكونها تدعوا للقضاء على الأديان الأخرى وإنما لأن العقيدة اليهودية فيها مفهوم حلول الرب في العبد!
هذه أهم التعاريف باختصار وإجمال.
ولنرجع إلى ما يقوله الكاتب:"و بالتالي فإن الوجودية والماسونية يدوران في فلكٍ واحد ".انتهى
لقد أورد الكاتب بدايةً خلال حديثه عن ابن عربي أقوالاً له تثبت اعتقاده بوحدة الوجود، ثم استنتج أن وحدة الوجود والماسونية يدوران في فلك واحد.
وقد تبيّن لكم الفرق الكبير بين نظرية وحدة الوجود وبين الماسونية، فالربط بينهما بعيد وغير مقبول!
يقول الكاتب: ((و بالتالي فإن الوجودية و الماسونية يدوران في فلكٍ واحد، و لذلك لم يكُن بِدعاً من الرأي أن ينتهج الأمير الخط الماسوني بعد المذهب الوحدوي لكونه بذلك لم يخرج عن نفس المسار، و إنَّما انتقل من مدار إلى مدار)).انتهى
إن طريقة إثبات التُّهم بالاستدلال النظري مرفوضة، فكيف إذا كان هذا الاستدلال غير صحيح؟!
وكان الأولى بالكاتب أن يبرهن على دعوى انتهاج الأمير للمذهب الوحدوي، وأن يبرهن على انضمام الأمير إلى الماسونية، ثم بعد ذلك يتابع استنتاجاته!
مع العلم أنّ الطريقة التي يتّبعها الأخ الكاتب في حديثه عن الأمير إنما هي طريقة وضع النظريات، والاستدلال لها بالظنون والأشياء البعيدة أو بكلام غير ثابت، ثم يجعلها من الثوابت المبرهن عليها!!!
¥