تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا شيء لا يمت للدراسات العلمية بصلة عمومًا، فكيف إذا كان الموضوع يتعلّق بإطلاق حكم الكفر والردة على رجل مسلم مشهود له بالعلم والتديّن والجهاد؟!!

ثم قال الكاتب الأخ محمد المبارك:"وقد يقال أن ناحية التصوف كانت ناحية فلسفية بحتة عند الأمير ولكن ذلك ليس بصحيح، فنجد أن الجزائري يعتقد بمخاريق وكرامات الصوفية".انتهى

إن رأي الكثير من الأساتذة المتخصصين والدارسين لفكر الأمير عبد القادر هو أنّ كلام الأمير في مسائل التصوف التنظيري كان من ناحية فلسفية فحسب، وذلك لأنّه كان ملتزمًا بالفتوى على المذهب المالكي، ولم يوجد في سلوكه حتى موته أي مظهر من مظاهر اعتقاد تلك الفلسفات، مثلما وُجد في سلوك غيره من أمثال ابن سبعين والتلمساني وابن هود الأندلسي وغيرهم ممن كانوا في زمن الأمير أيضًا وقد ذكرتُ سيرة أحدهم في الحلقات السابقة!!

ورأيُ أولئك الأساتذة ـ وهم من مشارب وأديان مختلفة ـ مبني على قواعد وأدلة وبراهين عرضوها في كتبهم ودراساتهم. ولكن الأخ محمد المبارك رفض هذا الرأي وقال عنه إنه غير صحيح دون أن يأتينا ببرهان أو دليل؟! وإنما اكتفى بقوله:" ولكن ذلك ليس بصحيح، فنجد أن الجزائري يعتقد بمخاريق وكرامات الصوفية".انتهى!!

طبعًا هو يقصد خوارق وكرامات، لأنّ المخاريق هي المناديل، أو الخِرَق المفتولة، أو السيوف، أو السياط!!

وما أغرب هذا الاستدلال! هل الاعتقاد بالكرامات أو الخوارق التي قد تقع لبعض الصالحين ويجريها الله لهم أو على أيديهم هو الدليل على أنّ صاحب هذا الاعتقاد يكون ضرورة من القائلين بالفكر الصوفي المنحرف؟! إذن ما أكثرهم إذا لم نقل بأنهم جمهور المسلمين. وهذا كلام غير مقبول أن يُتّهم جمهور المسلمين بالانحراف لأجل الاعتقاد بالكرامات!

لقد ساق الأخ الكاتب قصّة يستدل بها على الكرامات والخوارق التي كان يعتقدها الأمير، وهي قصّة وقوف الأمير عند قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم. روى الكاتب نقلاً عن النبهاني أنّ الأمير قال:"…لما بلغت المدينة طيبة، وقفت تجاه الوجه الشريف بعد السلام عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى صاحبيه الذين شرفهم الله تعالى بمصاحبته؛حياةً وبرزخًا؛ وقلت: يارسول الله، عبدك ببابك، يارسول الله،كلبك بأعتابك (في المواقف كليمك!)، يارسول الله، نظرة منك تغنيني، يارسول الله، عطفة منك تكفيني، فسمعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول لي: ((أنت ولدي، ومقبول عندي))، بهذه السجعة المباركة. وما عرفتُ هل المراد ولادة الصلب،أو ولادة القلب، والأمل من فضل الله أنهما مرادان معًا، فحمدتُ الله تعالى".انتهى النقل الذي أورده الكاتب. مع أنّ القصّة لم تنته ولها تتمة طويلة، سأكتفي بنقل الجزء المباشر لقوله فحمدتُ الله تعالى. قال الأمير:"ثمّ قلتُ في ذلك الموقف: اللهم حقق هذا السماع برؤية الشخص الشريف، فإنّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضمِنَ العصمة في الرؤية فقال: ((من رآني فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي)). وما ضَمِنَ العصمة في سماع الكلام. ثم جلستُ تجاه القدمين الشريفين، معتمدًا على حائط المسجد الشرقي، أذكرُ الله تعالى فصعقت وغبت عن العالم وعن الأصوات المرتفعة في المسجد بالتلاوة والأذكار والأدعية وعن نفسي، فسمعتُ قائلاً يقول: هذا سيدنا التّهامي، فرفعتُ بصري في حال الغيبة؛ فاجتمع به بصري، وهو خارج من شباك الحديد، من جهة القدمين الشريفين. ثمّ تقدَّم إلى الشباك الآخر، وخَرَقَه إلى جهتي؛ فرأيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخمًا مفخّمًا بادنًا متماسكًا، غيرَ أنّ شيبه الشريف أكثر، وحُمرة وجهه أشدّ مما ذكَرَه أصحاب الشمائل. فلمّا دنا منِّي، رجعتُ إلى حسّي، فحمدتُ الله تعالى".انتهى [المواقف1/ 16]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير