تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذه القصّة أوردها الأمير ضمن حديثه على قوله تعالى {وأمّا بنعمة ربّك فحدّث}، وأنا لا أجد فيها شيئًا من الخوارق أو العجائب، كل ما في الأمر أن الرجل دفعه شوقه وحبّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكلّم بتلك الكلمات أمام واجهة القبر الشريف، فظنّ أنه سمع جوابًا ولكنّه لفقهه ومعرفته بأصول الدين أقرّ بأنّ هذا السماع قد يكون توهمًا أو شيطانيًا، فقال:" اللهم حقق هذا السماع برؤية الشخص الشريف، فإنّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضمِنَ العصمة في الرؤية فقال: ((من رآني فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي)). وما ضَمِنَ العصمة في سماع الكلام"

فهل هذا كلام الخرافيين أو أدعياء الكرامات؟

وبعد أن حصلت له الرؤية المناميّة لشخص النبيّ صلى الله عليه وسلم، نجده صادقًا مع نفسه ومع الآخرين عندما قال:" فرأيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخمًا مفخّمًا بادنًا متماسكًا، غيرَ أنّ شيبه الشريف أكثر، وحُمرة وجهه أشدّ مما ذكَرَه أصحاب الشمائل"

وهذا أيضًا دليل على علمه واطلاعه وصدقه.

وهذه القصّة لا تقدّم ولا تؤخّر وليس فيها أي مستند لمن يريد أن يثبت أن الفكر الصوفي للأمير هو على طريقة المنحرفين، فضلاً عن جعلها حجة في رفض قول الباحثين إن الناحية الصوفية كانت عند الأمير ناحية فلسفية بحتة.

تنبيه: بعض المتسرّعين جعل من هذه القصّة دليلاً على ادّعاء الأمير للنسب الشريف! وهذا عجيب منهم فليس فيها ما يساعد على هذا الاستنتاج. وربما قالوا ذلك لعدم فهمهم المقصود من القصة. فنسب الأمير مشهور ومستفيض قبل هذه القصة بل وقبل ولادة الأمير، فآباؤه وأجداده من المشاهير والكبراء في المغرب العربي ونسبهم معروف وهو من أثبت الأنساب وأشهرها، فليس هناك ما يدفع الأمير لادعاء النسب.

ولو كان هذا المقصود لقال الأمير هذا دليلٌ على نسبي الشريف، لكنه لم يفعل وإنما قال:" وما عرفتُ هل المراد ولادة الصلب،أو ولادة القلب" والسبب أن ولادة الصلب معروفة ومتحققة، والمهم عنده هو ولادة القلب ـ أي يكون بذلك وارثًا محمّديًا ـ ولصدقه وأمانته لم يتحكّم في تأويل الكلام وإنما أبقاه على إطلاقه وعمومه.

وأنا هنا أتعامل مع هذا القصص والأحوال بتجرّد وأضعها ضمن سياقها الصحيح وأشرحها ضمن مصطلح أهلها.

وماذا سيقول الأخ محمد المبارك عن الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي (541ـ620هـ) فقد قال في كتابه الكبير "المغني": ((وقال أحمد، في رواية عبد الله، عن يزيد بن قُسَيْط، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يسلم عليَّ عند قبري، إلا ردَّ الله عليّ روحي، حتى أرُدَّ عليه السلام). قال: وإذا حج الذي لم يحجَّ قطُّ ـ يعني من غير طريق الشام ـ لا يأْخُذُ على طريق المدينة، لأني أخاف أن يحدُثَ به حَدَثٌ، فينبغي أن يقصد مكة من أقصر الطرق، ولا يتشاغل بغيره.ويروى عن العتبي، قال: كنت جالسًا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابيٌّ، فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعتُ الله يقول: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيمًا} وقد جئتك مستغفرًا لذنبي، مستشفعًا بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:

يا خيرَ من دُفِنَت بالقاعِ أعْظُمُهُ ***** فطابَ مِنْ طيبهِنَّ القاعُ والأَكَمُ

نفسي الفداءُ لِقَبْرٍ أنت سَاكِنُه ***** فيه العفافُ وفيه الجودُ والكَرَمُ

ثم انصرف الأعرابي، فحَمَلَتْنِي عيني، فنمتُ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال: يا عُتبيُّ، الْحَقِ الأعرابيَّ، فبشِّرْهُ أن الله قد غفرَ له)).انتهى [المغني 5/ 465]، وقد أورد هذه القصّة أيضًا صاحب الشرح الكبير الإمام عبد الرحمن المقدسي الحنبلي (682هـ) 3/ 494؛ وكذلك الإمام ابن كثير في تفسيره.

فهل سيقول الكاتب عن هؤلاء الأئمّة أنهم يعتقدون بكرامات وخوارق الصوفية، إذن فهم من المنحرفين أصحاب العقائد الباطلة؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير