تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإنّ أملاك أُسْرة الأمير عبد القادر في الجزائر كبيرة، أضف إليها أملاك المهاجرين مع الأمير، وقد استولت عليها وعلى غلالها وعائداتها الحكومة الفرنسية، ومن ثَمَّ أحبَّ نابليون الثالث أن يعوّض الأمير ومن معه عن تلك الأملاك المغتصبة، بعد أن سرّحوهم إلى بلاد الشام، وذلك حتى يضمنوا لهم سبل العيش ولا يرجعوا إلى الجزائر!! فليس هذا من الكرم الفرنسي ولا من حب فرنسا للأمير، وكذلك ليس مقابل أي وظيفة تطلبها فرنسا من الأمير.

وأنا أطالب التميمي والأخ محمد مبارك أن يذكرا لنا أجندة العمل التي طلبت فرنسا من الأمير أن ينفذها بدقة!!! .. بزعمهم.

يقول العلاّمة جمال الدين القاسمي، رحمه الله: ((ثُم إنّ إخوة الأمير لمّا أطلقت فرنسة سراحهم من سجونها، عادوا إلى الجزائر واستقرّوا في مدينة (عنّابة) على الساحل الجزائري الشرقي، ورتّبَت لهم الحكومة الفرنسيّة المرتّبات الكافية، ثمّ بدا للسيد محمد السعيد الأخ الأكبر للأمير أن يسيرَ إلى تونس ويستوطنها مع إخوته وأبنائه لوَفْرَة علمائها وفُضَلائها، فكاتَبَ أحدَ أمرائها يستشيره؛ فرحّبَ به ووَعَدَه أن يقوم بجليل شأنه؛ فَعَرَضَ أمرَ الرِّحلَة على وكيل الفرنسيين في عنّابة؛ فأُجيب بأنّه لا يُسرَّح ما لم يُسلِّم راتبه؛ فأَجابَ بالتّسليم عن نفسه وإخوته، فهيّأت فرنسا باخرةً، ونقلته مع إخوته من عنّابة إلى الشام، وأَلْحَقَتهم بأخيهم الأمير عبد القادر، ورَفَضَت لهم سُكنى تونس إبعادًا لهم عن قارة المغرب كليًا، خوفًا من إقبال العموم عليهم، لِمَا لهذا البيت في المغرب من عِظم الشهرة وكبر الاعتقاد في نفوس العامة والخاصة، فقضت سياستهم إلحاقهم بأخيهم الأمير، فقدموا دمشق سنة 1273 هـ أي بعد قدوم الأمير عبد القادر بسنة)).انتهى [(طبقات مشاهير الدمشقيين) للعلاّمة القاسمي ص83]

فهل هذه المرتبات كانت أيضًا في مقابل تنفيذ أجندة فرنسيّة بدقة؟! وانظر كيف أنهم أرادوا التحول إلى تونس لوفرة العلماء هناك، ولأجل ذلك تخلّوا عن تلك المرتبات (والتي هي تعويض عن أملاكهم التي اغتصبتها فرنسة)، ومع ذلك أبعدتهم فرنسة إلى الشام خوفًا منهم!

ثمّ إن هذه المخصصات المالية بقيت مستمرة حتى بعد وفاة الأمير، وكان أولاده الستة عشر وبعض إخوته يقبضونها وينفقونها على الأسرة والأتباع، فهل هم برأي التميمي ينفذون الأجندة الفرنسية بدقّة لقاء هذا المرتب؟! وكان بعض أولاد الأمير يشغلون مناصب عليا في الدولة العثمانية (في مجلس الأعيان) كالأمير محيي الدين والأمير علي، وعندما دخلت تركيا الحرب العالمية على الحلفاء (وفيهم فرنسا) كان أبناء الأمير يساندون تركيا في مواجهة فرنسة، وكان الأمير عليّ يقوم بمهمّات سياسية وعسكرية لمصلحة الدولة العثمانية، فعن أي أجندة عمل يتحدث التميمي؟!

يقول الكولونيل تشرشل في معرض حديثه عن المخصصات المالية التي يقبضها الأمير من الحكومة الفرنسية: (( .. وعند التأمل في عادات عبد القادر يصبح هذا الدخل أكثر مما يحتاجه، بل يصبح بذخًا، وكان يمكنه أن يعيش عيشة أمير بهذه الثروة وينغمس في التباهي، ولكنه كان خاضعًا لمبادئ أخرى. فعبد القادر الذي كان دائمًا معارضًا لإرضاء النفس قد نظر إلى هذا المرتّب الكبير كأمانة، لذلك قرر أن يأخذ منه ما هو ضروري لمصاريفه الخاصة، وأن يصرف الباقي على الآخرين. فقد كرّس دخْلَه على تلبية حاجات كثير من أولئك الذين رفضوا بنبلٍ أن ينفصلوا عن مصيره، بل إنّه كان قادرًا على أن يغمر بكرمه جهات أخرى. ولم يكد يحتفظ لنفسه ولعائلته بسوى النصف من ذلك المبلغ أما الباقي فقد وزّعه في شكل رواتب على قوّاده وأتباعه الذين كانوا في حاجة ماسة، وفي شكل صدقات على الفقراء، وهبات إلى المساجد، وغير ذلك من الأغراض الخيرية، كما أنه كان يصرف من دخله على أخويه وعائلتيهما)).انتهى [حياة الأمير ص274]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير