تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا الكلام شَهِد به أعداء الأمير وخصومه؛ فقد ذكر الأستاذ المهدي البوعبدلي: ((أنه في الملتقى الذي أقامه "الكوليج دو فرانس" بباريز سنة 1977م، والذي كان موضوعه ((حياة الأمير عبد القادر في المشرق))، ألقى أحد الباحثين الفرنسيين وهو الأستاذ "شوفالي فاجرون" محاضرةً هامة، وكانت لدراسته أهمية عظمى حيث أثبت الجانب السياسي من حياة الأمير في المشرق، وهي أنّه لمّا وقف موقفه المشرّف إزاء مذابح المسيحيين الذين دافع عنهم دفاعَ من لا تأخذه في الله لومة لائم، انقلب الرأي العام الفرنسي وتبيّن لهم قيمة الرجل، فرأى نابليون أنّ الفرصة سانحة لعرض مملكة المشرق على الأمير، إلاّ أن الأمير لم يسعه إلاّ الاعتذار عن قَبولها رغم المغريات، وقال لرسول نابليون:"إنّ هدفي لم يكن في يوم من الأيّام تولية المملكة، وإنما ظروف بلادي جعلتني أتولى الدفاع عنها، فقُدْتُ جيوشَها، وشاء الله أن تطوى صفحة الجهاد فانتقلت للجهاد الأكبر وهو خدمة العلم والدين" [طبعًا الكلام مترجم عن الفرنسية]، وهنا علّق المحاضر على هذه الصفحة والظروف التي اجتازتها بلاد المشرق، فقال: ((لم تكن أمنية رجال الحكم الفرنسي العثور على رجل عربي قوي يتولى حكم بلاد المشرق بإعانتهم؛ بل كان يشارك الفرنسيين في البلوغ إلى هذا الهدف الإنكليز أيضًا،وقد بلَغَت إنكلترا هدفها إذا وجدت الملك فيصل، إلاّ أنّ فرنسا من سوء حظّها وجدت في طريقها الأمير عبد القادر، وشتّان ما بين الشخصيّتين)).انتهى [من مقال للأستاذ المهدي البوعبدلي بعنوان (وثائق أصيلة تلقي الضوء على حياة الأمير عبد القادر) منشور في مجلة الثقافة الصادرة عن وزارة الثقافة في الجزائر العدد 75 رجب 1403هـ،أيار 1983م؛ ص134]

ويتابع صاحب (فك الشفرة) فيقول:" لقد كان المخطط الفرنسي لوراثة التركة العثمانية يقضي بالسعي للقضاء على الخلافة العثمانية من خلال تأجيج ثورة عربية يترأسها بعض المنتسبين للبيت النبوي،و يقوم بجر جميع تلك البلدان الى حظيرة الهيمنة الفرنسية".انتهى

ولا بأس هنا من كلمات لكشف بعض المغالطات التاريخية التي أوردها الكاتب.

أولاً، إنّ الدولة العثمانية التي يتحدث عنها الكاتب ويسميها الخلافة العثمانية، لم تعد في حقيقتها تمثّل الخلافة الإسلاميّة في ذلك الوقت، فقد صعد رجال حزب الاتحاد والترقي إلى سدّة الحكم وكانوا هم المتصرفين في البلاد، وليس للخليفة أي ثقل حقيقي، ورجال الاتحاد والترقي كانوا يسيرون على النهج الأوربي ويرفضون الحكم الإسلامي (وسيأتي معنا قريبًا كيف يصفهم الكاتب بالماسونيين) وأنا وإن كنت لا أقبل وصفه ذلك لأنه بلا دليل؛ فإنني أعلم أنهم ((كانوا أصحاب طموحات واسعة وخبرة قليلة وتعصب للقومية التركية وابتعاد عن الدين، فاستطاعت المخابرات البريطانية واليهود أن يستغلوهم ويضعوا لهم الخطط سِرًّا وهم لا يدرون إلى أين يسيرون، منهم المخلص لبلده ونفسه، ومنهم ما هو دون ذلك، ولكن لا يدري ماذا يُفعل به!)) [كما يقول الأستاذ محمود شاكر،انظر التاريخ الإسلامي 8/ 208]

وكانت البلاد العربية تعيش في حالة من الضياع والبؤس، والناس قد ضاقوا ذراعًا بسياسات رجال الاتحاد والترقي الذين ينقلون البلاد من حرب إلى حرب، ومن بؤس إلى بؤس، وفوق ذلك ضاعت عندهم الرابطة الإسلاميّة! (اقرؤوا عن وحشية جمال باشا السفاح في بلاد الشام)

فهل إذا أراد بعض المصلحين العرب المسلمين أن يفصلوا بلادهم عن هؤلاء صاروا خونة ومدمرين للخلافة الإسلامية المزعومة؟ وماذا سيقول الكاتب عن دولة آل سعود التي حاربت العثمانيين وانفصلت عنهم؟

ومع ذلك فإنّ المرحلة التي يتحدث عنها الكاتب هي مرحلة ما بعد وفاة الأمير عبد القادر، وكل تلك الأحداث التي ساقها إنما جرت بعد وفاة الأمير بعقود،بـ (36سنة) تحديدًا، فما شأن الأمير بها؟ ولماذا يحمّله تبعاتها؟ وأغرب من ذلك أنّ الكاتب صنَّف الأمير موظفًا لفرنسا، ثم قال:"واستلم الدور بعده الملك فيصل الموظف لبريطانيا"، ومعلوم أنّ فرنسا وبريطانيا كانتا متنافستين ومتخالفتين، وكل واحدة منهما تساند العرب والمسلمين لأجل الحد من توسّع الأخرى.وقد نبّهتُ آنفًا إلى فساد المقارنة بين الأمير والملك فيصل!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير