تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبذلك أعاد العرب قناة الرومان إلى الملاحة من الفسطاط إلى القلزم، في أقل من ستة أشهر (القلزم هو اللفظ العربي لاسم السويس القديم كليسما).

وقد سمّيت هذه القناة بقناة أمير المؤمنين، واستُخدمت زهاء 150سنة، لتنشيط التبادل التجاري بين البلاد العربية وأنحاء المعمورة كافة، وخاصة لنقل الحجاج إلى بيت الله الحرام، على أن الخليفة العبّاسي أبا جعفر المنصور أمر بردمها في نهاية القرن الثامن، كيلا تستخدم في نقل المؤن إلى أهل المدينة الذين تمرّدوا على سلطته، فتعطّلت بذلك الصلة مع البحرين مدة أحد عشر قرنًا.

وفي أثناء إقامة الفرنسيين في مصر، إثر الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت، درس المهندسون الذين رافقوا الحملة العسكرية، النيل والبحر الأحمر وبرزخ السويس، وبحث علماء الآثار عن بقايا الأقنية القديمة. ولم يكن من السهل على "دوليسبس" إقناع المسؤولين بفكرة فتح القناة، بسبب المخاوف القديمة من طغيان مياه البحر التي كانت تراود أفكار الناس. واستمر دوليسبس في بذل مساعيه مستفيدًا من صداقته للخديوي محمد سعيد، الذي أصدر فرمانًا في تشرين الثاني من عام 1854 يُعطي امتياز فتح القناة إلى دوليسبس، وصدَّق الباب العالي امتياز القناة في تشرين الثاني 1858، وكانت مدة الامتياز 99 سنة.

ومع العقبات الكثيرة التي واجهت هذا المشروع، فقد أمكن تدشينها في تشرين الثاني من عام 1869، وحضر الحفلة عدد من ملوك أوربا، ومنهم الإمبراطورة أوجين زوجة نابليون الثالث وامبراطور النمسا وأمير بروسيا {ألمانيا}.

وبقيت القناة التي تمر عبر أراضي مصر، والتي حفرتها أَيْدٍ عربية، ملكًا لشركة السويس العالمية، ومركزها باريس إلى أن أممتها الحكومة المصرية في 26 تموز 1956 {يعني قبل نهاية الامتياز بـ 12سنة}، فغدت شركة مصرية (عربية) وطنية)).انتهى [الموسوعة العربية 11/ 365]

إذن هذه قصّة قناة سويس؛ وألفت انتباه القارئ إلى أنّ بعض الكتّاب يذكرون في كتاباتهم أنّ دوليسبس صديقٌ للأمير عبد القادر! وهذا خطأ أيضًا، ولعلّ السبب في ذلك أنهم أثناء قراءتهم لتاريخ مصر في عهد محمد علي وابنه الأمير سعيد، يكثُرُ الحديث عن الأمير وصديقه دوليسبس! ثم يأتي الحديث عن قناة سويس وعن حضور الأمير عبد القادر. فينصرف ذهنهم إلى أنّ المقصود بصديق دوليسبس هو الأمير عبد القادر مع أنّ المقصود هو الأمير سعيد باشا كما هو ظاهر في جميع النقول التي سقتها.

والعجيب من أولئك الكتاب إطلاقهم هذا الوصف (صديق الأمير) على بعض الأشخاص! فهل كل من يراسله الأمير أو يتصل به لسبب أو لآخر يكون صديقًا له؟ وكلمة صديق يستعملها العرب لدلالة معيّنة بخلاف الدلالة التي يريدها الأوربيون!

ولمزيدٍ من البيان أقول: إنّ معرفة الأمير بدوليسبس كانت بعد قناة السويس، فبعد افتتاح هذه القناة ونجاحها والثناء العالمي عليها، تحمّست فرنسة لإنجاز مشروع "البحر الداخلي الإفريقي" الذي يشتمل على أجزاء كبيرة من الأراضي التونسية والجزائرية، وذلك في عقد السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن التاسع عشر، ويقع حوض هذا البحر في المنطقة المحصورة بين خليج فابس على الساحل التونسي شرقًا، وجبال أولاد نايل وهضبة ميزاب غربًا، وجبال الأوراس والنمامشة وتبسّة والظهر التونسي شمالاً، وجبال مطمامة والهقّار جنوبًا. ولكن سكّان تلك الأراضي ترددوا في قبول هذا المشروع وعارضوه، لأنّ البحر المفتوح سيغمر قراهم وأراضيهم، فلجأ أصحاب هذا المشروع، وعلى رأسهم دوليسبس، إلى الأمير عبد القادر الجزائري وتَرَجَّوْهُ أن يكاتب أهالي وسكّان تلك المناطق ليقنعهم بفائدة المشروع. وليس ذلك لأن دوليسبس والحكومة الفرنسية أصدقاء للأمير كما يزعم البعض! وإنما لما يعلمه هؤلاء من المكانة العظيمة والمنزلة الرفيعة التي للأمير عند شعبه في الجزائر ومدى تأثيره فيه، على الرغم من كل الحواجز التي وضعتها واختلقتها فرنسة بين الأمير وشعبه!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير