تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فغالب الخطاب إذن للعباد -بوصفهم عبادا- تبشير وتحبيب مشوق للقلوب إلى ديار الحبيب. قال عز وجل في سياق التبشير: ?فَبَشِّرْ عِبَادِ? (الزمر:17) وقال سبحانه: ?ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ? (الشورى:23). وإنما يتوب الله عز وجل على "العباد"، إذ هم الأحبة الذين يتجاوز الرب الكريم عن سيئاتهم مهما كثرت؛ ما داموا هم "العباد" الذين ذلوا لله وخضعوا له. قال سبحانه: ?وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ? (الشورى:25).

وتوبة "العبد" لحظة فرح عند الله سبحانه، فرح يليق بجمال وجهه، وجلال سلطانه تعالى. وقد بيَّنه الحديث القدسي بيانا جميلا، فيه من معاني الشوق والقرب والتقرب، والتقريب المتبادل بين العبد وربه؛ ما يملأ القلب ببهجة السرور والاحتفال. إنه جمال الرب الذي يبادل "عبده" -وإنما هو عبده- بحبه حُبًّا أكرم وأعظم، وبتقربه تقريبا أشرف وأحلم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قال الله عز وجل: أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني. واللهِ لَلهُ أفْرَحُ بتوبة عبده مِن أحدكم يجد ضالَّته في الفلاة! " (رواه مسلم).

ومن أروع التعابير القرآنية في هذا السياق، آية تتدفق كلماتها بل حروفها بكَوثر المحبة الإلهي الفياض جمالاً يغمر قلوب كل من سمّاهم الرحمن "عبادي". ولو كانوا حديثي عهد بالضلال البعيد، والتّيه الرهيب، وشرّدوا بعيدا في ظلمات الآثام والذنوب! ثم جاؤوا فُقراء يطرقون الباب، وما بأيديهم من حسنات إلا هذه التوبة النصوح .. قال عز وجل: ?قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ? (الزمر:53). فعلامَ ييأس "العبد" أو يقنط؟! وها الله تعالى يغفر الذنوب جميعا .. نعم جميعا! أأنت الذي جئت تطرق باب الله تائبا؟ إذن، أنت آمن إن شاء الله؛ لا تُخفك أهوال الذنوب التي تجرها وراءك، ما دمت قد جئت في الوقت المناسب .. ودخلت إلى حضرة الرحمة الإلهية من باب الانتساب إلى الله "عبدا".

نعم، إن "العباد" -وهم عباد السلام- ينعمون عند الله بالأمن والطمأنينة والسلام، سكينة تملأ الوجدان شوقا إلى لقاء الله. قال عز وجل: ?يَا عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ? (الزخرف:68). إنهم الآمنون المحميّون بجواره الحصين في الدنيا والآخرة ?أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ? (الزمر:36) .. بلى! وإنّ من كفاه الله حماية وحفظا لهو الآمن حقا؛ فما له وللخوف أو القلق والضياع؟ ولذلك فقد توعد إبليس اللعين أن يُضِلَّ الناسَ، ويتّخذ منهم نصيبا مفروضا، فقال له الله تعالى: ?إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً? (الإسراء:65).

فلك الحمد إلهي! .. لك الحمد؛ إذ أكرمت "عبادك" بالحفظ الجليل، والستر الجميل ...

وإن للستر جمال القرب، والتناجي الودود مع الرب الكريم. أخبر النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي، محدثا عن تجلي الرحمن لعبده يوم القيامة، تجليا يليق بكماله .. كان ذلك في حديث النجوى، وما أدراك ما النجوى! فعن صفوان بن مُحرز قال: "قال رجلٌ لابن عمر: كيف سمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال: سمعته يقول: يُدْنَى المؤمنُ يوم القيامة من ربه عز وجل؛ حتى يضع عليه كَنَفَهُ (13) فيقرره بذنوبه فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أَيْ رب أعرف. قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، فَيُعْطَى صحيفةَ حسناته. وأما الكفار والمنافقون فينادَى بهم على رؤوس الخلائق: "هؤلاء الذين كذبوا على ربهم! " (متفق عليه).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير