تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَيْ .. ! وما أفضل من أن يكون المرء مشمولا بوصف "عباد الله" و"عباد الرحمن"؟! ألا إنها أوصاف المحبين في الدنيا وفي الجنة معا؟! فهم هنا يسلكون إلى الله بمسالك عباد الرحمن، خُشَّعًا لله، حلماء، كرماء .. يَسْرُونَ بالليل ويسربون بالنهار، مع قافلة العبّاد، على طريق الخضرة والنور، على أثر الأنبياء الأصفياء، بعيدا عن مستنقعات الجهل بالله، والخوض في دخان الحرائق المشتعلة بأسواق الفساد: ?وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا? (الفرقان:63 - 64) .. إلى آخر السورة. وللآيات بعدها انسياب الماء المشع برضاء الله، وعطائه الغيداق من كمالات الصفات. كمالات تغري القلب بمواجيد ذات أشواق، وكؤوس ذات أذواق. لا يغنيك بذوقها حق الذوق كأسا كأسا غير المصحف الكريم.

قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ناثرا من كلام الله العلي سنى قدسيا: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل .. فإذا قال العبد: ?اَلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ?، قال الله تعالى: حمِدني عبدي!. وإذا قال: ?اَلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ?، قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي!. وإذا قال: ?مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ?؛ قال الله تعالى: مجّدني عبدي. فإذا قال: ?إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ?، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: ?اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ?، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل" (رواه مسلم).

فأيّ كرم هذا، وأي نعماء؟ وأي فيض هذا وأي عطاء؟ فمن يأنف أن يكون "عبدا" لله إذن؛ إلا عديم الذوق متخشب الإحساس؟! "هذا بيني وبين عبدي .. ولعبدي ما سأل" أتسمع؟ إنه يخاطبك: "عبدي! " فأنتما هناك يصل "بينكما" ودّ التناجي: "بيني وبين عبدي"! إنه وُدّ خفي، إنه بينكما .. تذوقه أنت وحدك، هناك في محراب التعبد السَّني، الموصول بواردات السماء؛ حيث التجلي الجليل يفيض عليك بالنجوى، جمالا وسلاما ... فهنيئا لك يا عبد!

وما سمى الله أنبياءه الأصفياء -وهم خير العباد- إلا "عِبادا" .. فذلك كمال رضاه تعالى عليهم: شرف نسبتهم إليه سبحانه. وما كان منه ذلك إلا في سياق الرضى الواسع البديع. قال تعالى في شأن محمد صلى الله عليه وسلم سيد العابدين: ?سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً? (الإسراء:1)، وقال: ?الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ? (الكهف:1)، وكذا قوله: ?فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى? (النجم:10).

وقد مدح الله الأنبياء السابقين فوصفهم بصفة العبودية له. قال سبحانه: ?وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ?. (14)

بل إن العبودية كانت -قبل ذلك وبعده- من أرقى مقامات الملائكة؛ قال تعالى يُجَهِّلُ الكفارَ الْمُفْتَئِتِينَ على الله: ?وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا? (الزخرف:19).

الأمن والسلام لعباد الله

"العباد" إذن؛ هم الآمنون السالمون بإذن الله .. هم الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وما ذكر الخوف في شأنهم إلا لنكتة خاصة، كما في قوله تعالى: ?ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ? (الزمر:16). فمثل هذا إنما هو تخويف محبة لا تخويف بغض وغضب .. والله عز وجل أرحم بعباده من الأم؛ إذ تحنو بثديها الثر على رضيعها. إن الله عز وجل قد قرر مبدأ ثابتا قبل ذلك، فقال سبحانه: ?وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ? (البقرة:207).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير