تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمقام الثاني: الكلام في كفرهم واستحقاقهم الوعيد في الآخرة ... وإذا كان كذلك فنحن فيما نناظر فيه أهل الكتاب متقدميهم ومتأخريهم، تارة نتكلم في المقام الأول وهو بيان مخالفتهم للحق وجهلهم وضلالهم فهذا تنبيه لجميع الأدلة الشرعية والعقلية؛وتارة نبين كفرهم الذي يستحقون به العذاب في الدنيا والآخرة فهذا أمره إلى الله ورسوله لا يتكلم فيه إلا بما أخبرت به الرسل كما أنا أيضا لا نشهد بالإيمان والجنة إلا لمن شهدت له الرسل)).

فقد ثبت أن طرق إبطال المقالات أكثر وأوسع وأيسر من طرق الحكم على الأعيان وما لهم في الآخرة من المآلات ..

الأصل الثالث: لزوم التفريق في الحكم على الأعيان بالأسماء والأحكام بين الظاهر والباطن، والظاهر-هنا-هو ما يتعلق بنا وبظاهر الأحكام الدنيوية، والباطن هو ما يتعلق بالله عز وجل وعلمه واطلاعه على الخفيات مما يوجب الأحكام الأخروية.

1 - فمن تلبس بشرك أوفسق أو بدعة أو معصية بجهل أو تقليد أو حداثة عهد أو تأويل أو اجتهاد أخطأ فيه، فيجوز –عند أمن الالتباس-أن تطلق عليه أسماء الذم (المشرك والمبتدع والعاصي) أي: بالنسبة لنا وما ظهر لنا ..

2 - أما أن يلحقه ما يترتب على هذه الأسماء من العقوبات الأخروية =فهذا من أحكام الباطن التي لا يُستطاع الجزم بحصولها ولا يمكن الحكم بها على الأعيان إلا من طريق الله ورسوله؛ إذ استيفاء شروط حصولها وانتفاء موانع تحقيقها،ومعرفة هل الجاهل تمكن من العلم، وهل المقلد جاز له التقليد، وهل المجتهد استفرغ وسعه وخلت نفسه من نوازع الهوى =كل ذلك لا يُعلم على التحقيق إلا من جهة الله ورسوله.

قال شيخ الإسلام: ((وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الرِّسَالَةِ وَمَا بَعْدَهَا فِي أَسْمَاءَ وَأَحْكَامٍ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي أَسْمَاءَ وَأَحْكَامٍ وَذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ: عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الْأَفْعَالَ لَيْسَ فِيهَا حَسَنٌ وَقَبِيحٌ. وَمَنْ قَالَ: إنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ سَمَّاهُمْ ظَالِمِينَ وَطَاغِينَ وَمُفْسِدِينَ؛ لِقَوْلِهِ: {اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى} وَقَوْلِهِ: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ} وَقَوْلِهِ: {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ ظَالِمٌ وَطَاغٍ وَمُفْسِدٌ هُوَ وَقَوْمُهُ وَهَذِهِ أَسْمَاءُ ذَمِّ الْأَفْعَالِ؛ وَالذَّمُّ إنَّمَا. يَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ الْقَبِيحَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ تَكُونُ قَبِيحَةً مَذْمُومَةً قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ إلَّا بَعْدَ إتْيَانِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ؛ لِقَوْلِهِ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}. وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْ هُودَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ إنْ أَنْتُمْ إلَّا مُفْتَرُونَ} فَجَعَلَهُمْ مُفْتَرِينَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِحُكْمِ يُخَالِفُونَهُ؛ لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَاسْمُ الْمُشْرِكِ ثَبَتَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ؛ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ بِرَبِّهِ وَيَعْدِلُ بِهِ وَيَجْعَلُ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا قَبْلَ الرَّسُولِ وَيُثْبِتُ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ اسْمُ الْجَهْلِ وَالْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ: جَاهِلِيَّةً وَجَاهِلًا قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ وَأَمَّا التَّعْذِيبُ فَلَا .. )).

3 - ثم تبقى بعض العقوبات الدنيوية كهجر المبتدع وحد الواقع فيما يوجب الحدود –تأولاً-وإيقاع العقوبة على الجاهل سداً لذريعة ادعاء الناس الجهل فراراً من الاحكام=كل ذلك مما يعود تقديره لأولي الأمر من العلماء والأمراء والقضاة بحسب المصلحة وتحصيلها والمفسدة وتقليلها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير