تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

، إنما المراد بيان حاله أنه كان لا يقرأ جميع القرآن عن ظهر القلب، والمقصود بيان أن قراءة جميع القرآن في قيام رمضان ليس بفرض) اهـ كلام السرخسي (38).

قال العيني: (أثر ذكوان إن صح فهو محمول على أنه كان يقرأ من المصحف قبل شروعه في الصلاة، أي ينظر فيه ويتلقن منه ثم يقوم فيصلي، وقيل ما دل فإنه كان يفعل بين كل شفعين فيحفظ مقدار ما يقرأ من الركعتين، فظن الراوي أنه كان يقرأ من المصحف، فنقل ما ظن ليؤيد ما ذكرناه أن القراءة في المصحف مكروهة، ولا نظن بعائشة –رضي الله عنها- أنها كانت ترضى بالمكروه، وتصلي خلف من يصلي بصلاة مكروهة) اهـ كلام العيني (39)

وعبارة الكاساني في البدائع: (وَأَمَّا حَدِيثُ ذَكْوَانَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَائِشَةَ وَمَنْ كان من أَهْلِ الْفَتْوَى من الصَّحَابَةِ لم يَعْلَمُوا بِذَلِكَ وَهَذَا هو الظَّاهِرُ بِدَلِيلِ أَنَّ هذا الصَّنِيعَ مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ عَلِمُوا به (((بذلك))) لَمَا مَكَّنُوهُ من عَمَلِ الْمَكْرُوهِ في جَمِيعِ شَهْرِ رَمَضَانَ من غَيْرِ حَاجَةٍ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الرَّاوِي: "كان يَؤُمُّ الناس في رَمَضَانَ وكان يَقْرَأُ من الْمُصْحَفِ" إخْبَارًا عن حَالَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَيْ كان يَؤُمُّ الناس في رَمَضَانَ وكان يَقْرَأُ من الْمُصْحَفِ في غَيْرِ حَالَةِ الصَّلَاةِ، إشْعَارًا منه أَنَّهُ لم يَكُنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ فَكَانَ يَؤُمُّ بِبَعْضِ سُوَرِ الْقُرْآنِ دُونَ أَنْ يَخْتِمَ، أو كان يَسْتَظْهِرُ كُلَّ يَوْمٍ وِرْدَ كل لَيْلَةٍ لِيُعْلَمَ أَنَّ قِرَاءَةَ جَمِيعِ الْقُرْآنِ في قِيَامِ رَمَضَانَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ) اهـ كلام الكاساني (40).

كلام ابن نصر:

ذكر ابن نصر مسألة القراءة من المصحف في الصلاة في كتابه " قيام رمضان " متعرضا لذكر الخلاف فيها إلى أن قال: (قال محمد بن نصر ولا نعلم أحدا قبل أبي حنيفة أفسد صلاته، إنما كره ذلك قوم لأنه من فعل أهل الكتاب، فكرهوا لأهل الإسلام أن يتشبهوا بهم، فأما إفساد صلاته فليس لذلك وجه نعلمه، لأن قراءة القرآن هي من عمل الصلاة، ونظره في المصحف كنظره إلى سائر الأشياء التي ينظر إليها في صلاته، ثم لا يفسد صلاته بذلك في قول أبي حنيفة وغيره فشبه ذلك بعض من يحتج لأبي حنيفة بالرجل يعترض في كتب حسابه أو كتبا وردت عليه، فيقرأها في صلاته، وإن لم يلفظ فإن ذلك يفسد صلاته فيما زعم.

قال محمد بن نصر رحمه الله: وقراءة القرآن بعيدة الشبه من قراءة كتب الحساب والكتب الواردة، لأن قراءة القرآن من عمل الصلاة، وليست قراءة كتب الحساب من عمل الصلاة في شيء، فمن فعل ذلك فهو كرجل عمل في صلاته عملا ليس من أعمال الصلاة، فما كان من ذلك خفيفا يشبه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في صلاته مما ليس هو من أعمال الصلاة أو كان يقارب ذلك جازت الصلاة وما جاوز ذلك فسدت صلاته) (41).

خلاصة القول في القراءة من المصحف في الصلاة:

وقد تحصل مما مر أن الأقوال في مسألة قراءة المصلي من المصحف قد تعددت، فمنها المرخص بإطلاق، ومنها المانع بإطلاق، ومنها ما خص الجواز بما كان من الصلاة نفلا،، ومنها ما قيده بقيام رمضان بخصوصه، ومنها ما جعله رهنا بحال الاضطرار، ومنها ما فرق بين حال الانفراد وحال الاجتماع، فجعل الجواز خاصا بالأول دون الثاني، على أن من أهل العلم من قال بالجواز مع الكراهة لمكان التشبه بأهل الكتاب، وهو محكي عن فريق كبير من أهل العلم، وقد بالغت طائفة منهم فقالت ببطلان الصلاة بالقراءة من المصحف لكونه إحداثا في الدين مردودا على محدثه.

ولا يسع المتأمل في هذه الأقوال جميعا، والمتمعن في حجج كل قول إلا أن يميل إلى جانب المنع ن ولو على سبيل الكراهة، لما تقرر في الأصول من أن العبادات مبناها على التوقيف، والأصل فيها الحظر، ما لم يرد دليل صحيح صريح على مشروعيتها، وإعمالا لقوله عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ولما يترتب على الترخيص في القراءة من المصحف في الصلاة من العزوف عن حفظ القرآن، اتكالا على إمكان الاعتياض بالقراءة من المصحف نظرا في المواطن التي يحتاج فيها إلى قراءة القرآن، والرغبة في الإتيان على جميعه كقيام رمضان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير