أخرجه أبو داود (4089)، و أحمدُ (4/ 179،180)، و البخاريُّ في " التاريخ الكبير " (2/ 1/225)، و الطبرانيُّ في " الكبير " (ج6/رقم5616)، و الحاكم (4/ 183) و قال: " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبيُّ!! و فيه نظر، ذكرته في " إتحاف الناقم ".
و قال النوويُّ في " الرياض ": " إسناده حسنٌ إلا قيس بن بشر، فاختلفوا في توثيقه و تضعيفه، و قد روى له مسلمٌ ".
و في كلام النوويُّ -رحمه الله- بعض النظر، ذكرتُه في المرجع السابق ذكره، و أقل أحوال الحديث أن يُحَسَّن في الشواهد.
فهذه تسعة أحاديث (ولو شاء الأستاذ لزدناه!)، لا يسع الواقف عليها إلا أن يقطع بأن إسبال الإزار حرامٌ.
أمَّا حُجَّةُ الأستاذ، و كل من يرى جواز الإسبال، فهي ما أخرجه البخاريُّ (10/ 254 - فتح)، و أبو داود (4085)، و النسائيُّ (8/ 208)، و أحمدُ (2/ 104)، و البغويُّ (12/ 9،10)، و البيهقيُّ (2/ 243) .. من حديث ابن عمر، مرفوعًا:
" من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ".قال أبو بكرٍ: يا رسول الله! إن أحد شِقي إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال النبيُّ صلى الله عليه و سلم: " لست ممن يصنعه خيلاء ".
*قُلْتُ: فظن الأستاذ و من معه أن من لم يجر ثوبه خيلاء، جاز له أن يصنع ذلك. - و ذلك أخذًا منهم بدلالة المفهوم، و ليس بحجة إذا خالف دلالة المنطوق كما عليه جمهور الأصوليين، و قد سردنا لك أحاديث كثيرة قولية، فهي مقدمة بلا شك.، و الله الموفق-.
و الجوابُ من وجوهٍ:
الأول: أنه يستحيل لمن يعرف سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، و شدّة اتباعه لكل ما يصدر عن النبيِّ صلى الله عليه و على آله و سلم أن يتصور أن يسمع أبو بكرٍ-رضي الله عنه-هذا الوعيد الشديد في إسبال الإزار ثم يسبل إزاره، يوضحه:
الثاني: قول أبي بكر: " إن أحد شقي إزاري يسترخي " و هذا واضحٌ جدًا أن إزاره كان فوق الكعبين، لكنه يسترخي، و هو يتعاهدُهُ بشدِّهِ إلى أعلى. و السببُ أن ابا بكرٍ-رضي الله عنه-كان نحيفًا، كما روى ابنُ سعد في " طبقاته " (3/ 188) قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازمٍ قال: دخلتُ مع أبي على أبي بكرٍ، و كان رجلاً نحيفًا خفيف اللحم أبيض ... و هذا سندٌ صحيحً جدًا.
و قد روى ابن سعدٍ أيضًا عن عائشة قال في صفة أبي بكر: " ... نحيفٌ، أجنأ لا يستمسك إزارُهُ، يسترخي عن حقوته ".
فهذا يبين لنا أن إزار أبي بكر -رضي الله عنه - كان يسترخي لعذرٍ، و مع ذلك فهو يتعاهده، أفيمكن لإنسان شم ريح العلم و لو مرة في حياته أن يقيس حال أولئك المشايخ أو غيرهم من الذين يطيلون ذيل ثيابهم عمدًا و بغير عذرٍ على حال أبي بكر رضي الله عنه بعد ما تقدم من البيان؟!
ثمَّ بعد كتابة ما تقدم وقعت على كلام نفيسٍ جدًّا للحافظ شمس الدين الذهبيِّ رحمه الله في ذلك. فقد قال في " سير أعلام النبلاء " (3/ 234،235): " كلُّ لباسٍ أوجد في المرء خيلاء و فخرًا، فتَرْكُه مُتعيِّنٌ، و لو كان من غير ذهبٍ و لا حريرٍ، فإنا نرى الشاب يلبس الفرجية الصوف بفروٍ من أثمان أربعمائة درهمٍ و نحوها، و الكبرُ و الخيلاء على مشيته ظاهر، فإن لُمْتَهُ برفق كابر، و قال: ما فيَّ خيلاء أو فخر. و هذا السيدُ ابنُ عمر يخاف على نفسه ذلك.
و كذلك ترى الفقيه المترف إذا لِيم في تفصيل فرجيةٍ تحت كعبيه، و قيل له: قد قال النبيُّ صلى الله عليه و على آله و سلم: " ما أسفل من الكعبين من الإزار، ففي النار "، يقول: إنما قال هذا فيمن جرَّ إزاره خيلاء، و أنا لا أفعلُ خيلاء، فتراه يكابر، و يبرئُ نفسه الحمقاء، و يعمد إلى نصٍّ مستقلٍ عامٍ، فيخصَّهُ بحديثٍ آخر مستقّلٍ بمعنى الخيلاء، و يترخَّصُ بقول الصدِّيق: إنه يا رسول الله يسترخي إزاري، فقال: " لست يا أبا بكرٍ ممن يفعله خيلاء ".
¥