لنقرأ الآية، ثم لنتدبر قوله: (لا تتخذوا آباءكم وأبناءكم). فالكلام هنا عن موالاة ومودة أشخاص الكفار وأعيانهم (الآباء والأبناء)، وليس عن محبة معنى مجرد اسمه (الكفر).
و لنتأمل –أيضاً- أن الله قال: (إن استحبوا الكفر على الإيمان)، ولم يقُل (إن قاتلوكم أو حاربوكم). فالنهي عن الموادة والموالاة هنا ليس لأجل أنهم حاربونا أو قاتلونا أو أبغضونا أو منعونا من الدعوة إلى الله. بل النهي عن المودة سببه -بنص القرآن- أن أولئك الآباء والأبناء: (استحبوا الكفر على الإيمان).
فكيف يسوغ لمن يعظم النص القرآني أن يلغي هذه الدلالة الجلية الصريحة، ثم يعلنُ أن المقصودَ بالآيةِ الكافر المحارب؟! أو أن المقصود بغضُ الكفر وليس الكفار أنفسهم؟!
*****
آيةٌ أخرى عظيمةٌ جليلةٌ:
يقول الله جل ذكرُه: (قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معه).
الآية تقول: إن لنا أسوةً حسنةً في إبراهيم والذين معه. فما الذي فعله إبراهيم والذين معه حتى نتأسى ونقتدي بهم؟
(إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله).
انظروا لدقة التعبير القرآني الذي يأبى أيَّ تأويل أو تحريف: (إنا برآء منكم)، وبرآء أيضاً (مما تعبدون من دون الله). براءة من الكفر. وبراءة من الكفار أنفسهم. فهل نقبل بعد هذا من أحدٍ أن يقول: بل البراءة والعداوة تكون للكفر وليس للكافر؟!!
لم تنته كنوزُ هذه الآية بعد. فلا زال هناك المزيد من جوانب الأسوة الإبراهيمية:
(إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله. كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً).
يقولون لقومهم وأهليهم: (كفرنا بكم) .... فأين هذا من قول من يقولُ: الكره للكفر وليس للكافر؟!
(وبدا بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاء أبداً).
عداوة ... بغضاء ... أبداً.
لكن إلى متى تستمرُّ هذه العداوة والبغضاء؟
قال تعالى: (وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده).
إذن نهاية العداوة والبغض: (إيمان قومِ إبراهيم بالله وحده). هنا تنتهي العداوةُ والبغضاء.
السؤال هنا: لماذا تنتهي العداوة عند هذا الحد؟
الجواب واضح: فسبب العداوة والبغض كفرهم بالله. فمتى آمنوا بالله وحده، زال السبب، فزالت العداوة والبغضاء، وحلت محلها المودة والمحبة والموالاة.
أوليس من المغالطة أن يقول قائل بعد هذا: إن سبب الأمر ببغض الكافر محاربته لنا؟!! فهلا قالَ إبراهيم: (بدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء حتى تكفوا عن حربنا وأذيتنا)؟
هناك نصوصٌ أخرى كثيرةٌ تؤكد هذا المعنى. لكني أكتفي بهذا القدر. وقد جعلتُ هذا التقريرَ مقدمةً للحديث عن الإشكالات الجانبية التي طرحها د. حمد الماجد. ولأني أطلتُ عليكم بما فيه كفاية، فسوف أؤجل ما تبقى إلى جزء آخر من هذا التعليق.
كتبه/ بندر الشويقي
1/ 3/1431هـ
ـ[علي تميم]ــــــــ[17 - 02 - 10, 09:11 م]ـ
جزاك الله خيرا ...
وليت الشيخ بندر كذلك يعلق على حلقة البيان التالي (حلقة الذي استضيف فيها الماجد)
ـ[أنس الشهري]ــــــــ[18 - 02 - 10, 01:22 ص]ـ
من تحدث فيما لا يحسنه أتى بالعجائب.
ـ[صالح الديحاني]ــــــــ[18 - 02 - 10, 07:11 ص]ـ
00000000000000
ـ[صالح الديحاني]ــــــــ[18 - 02 - 10, 07:17 ص]ـ
مقالة في الصميم!!
_ إضافة يسيرة:
في نظري أن سبب ورود الإشكال في هذه المسألة هو أمر واحد وهو:
عدم تحقق (كراهية الكفر) في القلب!
لأن من كره الكفر في قلبه فلن يستطيع أن يحب فاعله ولو أحسن إليه!
وقد قال الله جل وعلا في كتابه العظيم في سياق امتنانه على المؤمنين: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ).
فذكر من نعمه على عباده المؤمنين (أن كره إليهم الكفر والفسوق والعصيان). فمن صفات المؤمنين (كراهية الكفر) فهل تحققت فينا؟؟
قد يقول قائل: لا يوجد مؤمن (يحب الكفر!) فكيف تقول لنا: أنه لم يتحقق في قلوبنا (كراهية الكفر)؟
فأقول: فعلاً لا أحد من المؤمنين يحب الكفر، لكن هناك من لا يكرهه بلسان حاله لا بمقاله؟! وهذا عنصر وسط (محايد)!!
خذ مثالاً كي تتضح الصورة:
لو أنك سمعت عن رجلٍ ظالم خبيث يفتك بالناس ويؤذيهم ويتسلط عليهم، وهو في بلدة بعيدة عنك لا تعرفها أو لم تسمع باسمها إلا هذه المرة؛ تُرى ما هي مشاعرك تجاه هذا الرجل؟
بعفوية وتلقائية: تجد أنك تبغضه وتكرهه .. أليس كذلك؟
لماذا؟ فهو لم يحاربك ولم يؤذك ولم يتعد عليك؟ فلماذا أبغضته؟
لماذا لم تبغض فعله فقط؟
الجواب =هو ما أريد أن أوصله إليك أخي القارئ =:
وهو أنه قد تحقق في قلوب الناس بُغضُ الظلم والتعدي، ولذا صاروا يكرهون الظالم ويمقتونه؛
ولا يمارسون معه التفريق المتكلف: أبغض فعله ولا أبغضه لذاته؟!!
وكذلك لو تحقق في قلوب المؤمنين (بغض الكفر وكراهيته) لما استطاع شخص أن يسأل هذا السؤال: (لا أعرف كيف يطلب إليّ بعضهم أن أكره رجلا نصرانيا يمشي في الشارع؟ وحتى لو أردت أن أكرهه فلن أستطيع!)
كما أنه لا يستطيع أحد أن يقول:
لماذا تكرهون (فلاناً الظالم الخبيث؟).
وللموضوع بقية لكن لا أحب أن أطيل قبل أن أقرأ بقية مقالة أستاذنا، والسلام ..
¥