تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلم تمنعه صلَّى الله عليه وسلَّم عظمة عمر أن ينهاه ويبيِّن له التَّوحيد الَّذي بعث من أجل تحقيقه وحمايته.

وأين عظمة البوصيري في تخرُّصه وكذبه على نفسِه لمَّا قال:

فإن لي ذمَّة منه بتسميتي محمَّدا وهو أوفى الخلق بالذِّمم

فهذا فتح لباب المعاصي وترك للشَّريعة بمجرَّد أن يكون المقترف ممَّن سمِّي بمحمَّد، فكم من المحمَّدين لا يُحمَدون!!

وأين عظمة من هو غارق في أوحال الشِّرك والمخالفات في قوله الَّذي تقشعِّر منه جلود الموحِّدين حين قال:

يا أكرم الرُّسل ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم

أليس هذا مما يُسخط الرَّبَّ ويسخط رسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم، أيكون مشركو العرب أحسن حالا من هذا الشاعر، ألم تسمع قولَ الله تعالى: ?فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُون?.

أين إخلاص البوصيري من إخلاص هؤلاء، قال العلَّامة الشَّوكاني رحمه الله: «فانظر كيف نفى كلَّ ملاذ ما عدا عبد الله ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، وغفل عن ذكر ربه ورب رسل الله صلى الله عليه وسلم، إنا لله وإنا إليه راجعون» [الدُّرُّ النَّضيد (ص 26)].

وقال العلامة عبد الحميد بن باديس: «فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تطروني كما أطرت النَّصارى ... الحديث.

فنهانا عن إطرائه في المدح وهو المبالغة والغلو بوصفه بما لا يجوز كما غلت النَّصارى في عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام فادَّعت فيه الألوهية ونسبت إليه ما لا يكون إلا لله، وبيَّن لنا طريق مدحِه صلَّى الله عليه وسلَّم بذكر كلِّ ما لا يخرج به عن كونه عبدا من كلِّ كمال، وبذكر كلِّ ما يليق برسالته من عظيم الخصال عليه وعلى آله الصَّلاة والسَّلام» [مجالس التَّذكير من حديث البشير النَّذير (ص 241 - 242)].

إلى آخر ما جاء في هذه القصيدة الَّتي وصفها الكاتب بقوله: «التي اعتبرت درة ديوان شعر المديح في الإسلام»!!

كيف تكون درَّةً وصاحبُها عظيما وهو غارقٌ في بحر من الشِّرك والغلوِّ الَّذي لم يأذن به الله، ألم يمدح أبو طالب النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بحقٍّ وصدق من غير غلوٍّ فيه ولا إفراط، مع ذلك لم يشفع له ذلك أن يكون من أهل النَّار؟!

قال ابنُ كثير رحمه الله: «وقد قدَّمنا ما كان يتعاطاه أبو طالب من المحاماة والمحاجَّة والممانعة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والدَّفع عنه وعن أصحابه وما قاله فيه من الممادح والثَّناء، وما أظهره له ولأصحابه من المودَّة والمحبَّة والشَّفقة في أشعاره الَّتي أسلفناها، وما تضمَّنته من العيب والتنقُّص لمن خالفه وكذَّبه بتلك العبارة الفصيحة البليغة الهاشميَّة المطَّلبية الَّتي لا تدانَى ولا تسامى، ولا يمكن عربيًّا مقاربتها ولا معارضتَها، وهو في ذلك كلِّه يعلم أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صادق بارٌّ راشد ....

ولكن مع هذا لم يقدِّر الله له الإيمان لما له تعالى في ذلك من الحكمة العظيمة، والحجَّة القاطعة البالغة الدَّامغة الَّتي يجب الإيمان بها والتَّسليم لها، ولولا ما نهانا الله عنه من الاستغفار للمشركين لاستغفرنا لأبي طالب وترحَّمنا عليه». [البداية والنِّهاية (4/ 313 ـ 315)].

ومن غريب ما في المقال ذكر الكاتب للسَّبب الَّذي جعل البوصيري يكتب هذه الأبيات في المدح بالباطل، ولم يذكر الكاتب القصَّة بكاملها؛ إذ يكفي الإنسان قراءتها حتَّى يعرف هراء هذا الرَّجل وبُعدِه عن العلم وأهله، فكيف يُلحق بركب العظماء؟!

قال البوصيري: «كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ اتَّفق بعد ذلك أن أصابني خِلْط فالج أبطل نصفي، ففكَّرتُ في عمل قصيدتي هذه البردة، فعملتها، واستشفعتُ بها إلى الله في أن يعافيني، وكرَّرت إنشادها، وبكيت ودعوت، وتوسَّلت ونمت، فرأيت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليَّ بُردة، فانتبهت ووجدت فيَّ نهضةً؛ فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمتُ بذلك أحداً، فلقيني بعض الفقراء، فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة الَّتي مدحت بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقلتُ: أيُّها؟ فقال: الَّتي أنشأتها في مرضك، وذكر أولَّها، وقال: والله لقد سمعتُها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير