تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذا علمت هذا فاعلم أن هذه الصيغة لا تخلو إما أن ترد مجردة عن القرائن وإما أن تكون مقرونة بقرينة، فإن كانت مقرونة بقرينة فإنها تفيد ما أفادت هذه القرينة، فإن اقترنت بها قرينة الندب فهي ندب نحوه قوله] فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [فهذا أمر ندب لأنها لما نزلت لم يكاتب النبي r رقيقه وكذلك كثير من الصحابة لم يكاتبوهم مما يدل على أن الأمر فيها للندب.

ولذلك تجد أن الأصوليين يبحثون معاني هذه الصيغة في باب الأمر، فيقولون: من معانيها الندب وتقدم، والإباحة كقوله تعالى:] فَاصْطَادُوا والتعجيز كقوله تعالى:] قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا والتسخير كقوله تعالى:] كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ والإهانة كقوله تعالى:] ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ والتسوية كقوله تعالى:] فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ والتهديد كقوله تعالى:] اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [ونحوها كالدعاء والإكرام والخبر. فصيغة (افعل) فيما مضى لا تدخل في بحثنا لأنه قد اقترنت قرائن أخرجتها إلى غير بابها الأصلي فإذا اقترن بهذه الصيغة قرائن فإنها تدل على ما دلت عليه القرينة وليس هذا هو مجال بحثنا.

الحالة الثانية: أن تأتي مجردة عن القرائن فإذا وردت مجردة عن القرائن فماذا تفيد؟ وما هو الأصل فيها حتى نبقى عليه فلا ننتقل عنه حتى يأتينا الناقل؟ هذا هو ما تفيده هذه القاعدة، وقبل ذلك أقول: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في صيغة الأمر إذا وردت مجردة عن القرائن ماذا تفيد؟ فقال بعضهم: هي تفيد الوجوب وهو قول جمهور الأصوليين، وقيل: بل تفيد الندب، وقيل: بل تفيد الإباحة، وقيل: بل يتوقف فيها إلى ورود القرينة الصارفة لها إلى معنىً من المعاني، لأنها حقيقة مشتركة بين معانٍ كثيرة، والصواب هو القول الأول وما عداه فباطل، فالقول الصحيح هو أن صيغة الأمر إذا وردت مجردة عن القرائن فإنها تفيد الوجوب، وهو ما تفيده قاعدتنا هذه، والدليل على أن هذا القول هو الراجح عدة أمور:

منها: قوله تعالى:] فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [فحذر الله تعالى الذين يخالفون أمر النبي r بهذه العقوبة الشديدة وهي إصابتهم بالفتن والعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، فهذا يدل على وجوب القيام بأمره وتنفيذه، وذلك لأن الواجب هو ما يذم تاركه مطلقاً، أو هو ما توعد بالعقاب على تركه، فلما توعد الله من خالف الأمر بالعقاب الشديد دل ذلك على وجوب هذا الأمر وأن الأصل فيه الوجوب وهذا هو المطلوب إذ لو لم يكن واجباً لما عاقبهم على مخالفته لكن لما عاقبهم على مخالفته فهذا دليل وجوبه.

ومن الأدلة: قوله تعالى:] وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ وقال تعالى في آية أخرى:] فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ وفي أخرى:] قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ [.

ووجه الدلالة من ذلك: أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود سارعوا إلى ذلك وامتنع إبليس عن السجود وعارض النص برأيه فوبخه الله وذمه وعاقبه بالطرد واللعنة والإهباط من الجنة فهذه العقوبة بين الله أنها على ترك الأمر فهذا يدل على أن الأمر في قوله:] اسْجُدُوا [يفيد الوجوب ولذلك لما خالفه نال ما ناله من التوبيخ والذم والعقوبة ولو كان الأمر الموجه للملائكة لا يفيد الوجوب لقال إبليس: لم تعاقبني على ما لم يجب عليَّ لكن لما لم يقل ذلك دل على أنه كان يفهم منه الوجوب، ولا يقال: إن إبليس لم يسجد لأنه ليس من الملائكة لأننا نقول هو من الملائكة بوصفه ومن الجن بأصله كما هو اختيار أبي العباس ابن تيمية وهو الراجح، فلما أمر الله الملائكة بالسجود دخل إبليس في ضمنهم بوصفه ومثاله لكنه خالف الأمر برجوعه إلى أصله ولذلك قال تعالى:] إِلا إِبْلِيسَ كَانَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير