تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ … [فقرن الحكم بالفاء بعيد وصفٍ مما يدل على أن سبب فسقه هو لأنه من الجن وطبعهم الفسق والمخالفة.

وخلاصة الأمر أن إبليس من الملائكة بوصفه ومثاله لكنه من الجن بأصله، فيكون داخلاً في ضمن الأمر للملائكة بالسجود فلما خالف الأمر وأبى واستكبر لُعِن وطُرِد ومُسِخ على أقبح صورة مما يدل على أن الأمر المطلق يفيد الوجوب، والله أعلم.

ومن الأدلة أيضاً: قوله تعالى:] وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [فذمهم الله تعالى وتوعدهم بالويل على عدم امتثالهم للأمر مما يدل على أن الأمر يفيد الوجوب لأن علامة الوجوب أن يذم التارك له وهنا ذمهم الله على مخالفة الأمر فدل على أنه للوجوب.

ومن الأدلة أيضاً: قوله تعالى:] وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [فالله تعالى هنا أخبر أنه إذا قضى أمراً لم يكن لأحدٍ أن يتخير فيه وجعل مخالفته معصيةً وضلالاً وإذا كانت مخالفة الأمر عصياناً وضلالاً فإن ذلك دليل على أن الأمر يفيد الوجوب لأنه لو لم يفد الوجوب لما كانت مخالفته معصية وضلالاً وهذا واضح.

ومن الأدلة على ذلك: أن النبي r مَرَّ برجل يصلي فدعاه فلم يجبه فلما فرغ من الصلاة قال: ((ما منعك أن تجيبني؟) قال: يا رسول الله كنت في الصلاة، فقال: ((أما سمعت الله يقول:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [)) وهذا ظاهر فإنه r عاتبه على مخالفة أمر الله، والمعاتبة واللوم لا تكون إلا على ترك واجب فدل ذلك على أن قوله تعالى:] اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ [على الوجوب إذ لو كان لا يفيد الوجوب لما استحق ذلك الصحابي العتاب ولا اللوم وهذا دليل على أن الأمر المطلق يفيد الوجوب.

ومن الأدلة أيضاً: حديث أبي هريرة مرفوعاً: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " متفق عليه، فدل ذلك على أن المشقة تحصل بالأمر للزوم الامتثال حينئذٍ لكنه ترك الأمر، لوجود المشقة، فدل ذلك على أن الأمر يفيد الوجوب لأنه لو لم يفد الوجوب لما حصلت المشقة، لكن لما كان الأمر يفيد الوجوب والوجوب فيه مشقة ترك الأمر به، والله أعلم.

ومن الأدلة على ذلك: حديث بريرة بعد أن أعتقتها عائشة وكان زوجها عبداً فخيرها النبي r بين مفارقة زوجها وعدمه فاختارت فراقه وكان زوجها مغيث يحبها وكان يمشي خلفها في الأسواق يبكي فلما رأى النبي r ذلك ذهب إلى بريرة فقال لها: ((لو راجعتيه فإنه أبو أولادك)) فقالت: أتأمرني يا رسول الله، فقال: ((لا إنما أنا شافع) فقالت: لا حاجة لي فيه. فدل ذلك أنه لو كان أمراً للزمها الطاعة والانقياد ولذلك استفسرت من كلامه هذا: أهو أمر فتمتثل أو لا؟ فأخبرها أنه إنما هو شافع، فدل ذلك على أن الأمر يفيد الوجوب، والله أعلم.

ومن الأدلة التي ذكرها القاضي أبو يعلى في كتابه العظيم العدة على ذلك - أي أن الأمر المطلق يفيد الوجوب – إجماع الصحابة y على ذلك حيث إنهم كانوا يرجعون إلى مجرد الأوامر في الفعل أو الامتناع من غير توقفٍ فكل أمرٍ كانوا يسمعونه من الكتاب والسنة يحملونه على الوجوب ولذلك لم يرد عنهم أنهم كانوا يسألون النبي r عن المراد بهذا الأمر بل كانوا يمتثلون الأمر ويحملونه على الوجوب إلا إذا اقترن به قرينة تصرفه إلى غيره ولم يعرف منهم منكر لذلك فكان إجماعاً وهذا ثبت في وقائع كثيرة:

منها: أنهم استدلوا على وجوب الصلاة عند ذكرها بالأمر المطلق في حديث أنس مرفوعاً " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ".

ومنها: أنهم أجمعوا على وجوب غسل الإناء من ولوغ الكلب بقوله r : " إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعاً ".

ومنها: أن أبا بكر t استدل على وجوب قتال مانعي الزكاة بقوله تعالى:] وَآتُوا الزَّكَاةَ [وقال: " والزكاة من حقها " يقصد: أن الزكاة من جملة حقوق لا إله إلا الله، ووافقه عمر. ذكره القاضي في العدة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير