تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومنها: أن عمر t أخذ الجزية من المجوس بقوله r : (( سنوا بهم سنة أهل الكتاب)) ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعاً. فدلت هذه الوقائع على ما ادعيناه من إجماع الصحابة على أن الأمر المطلق يفيد الوجوب.

ومن الأدلة أيضاً: قوله تعالى] عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ [فدل على أن مخالفة الأمر معصية وما ذلك إلا لوجوبه وهو المطلوب.

ويدل على أن الأمر المجرد عن القرائن للوجوب من النظر: أن السيد لو قال لعبده: اسقني ماء، فامتثل العبد فإنه يستحق المدح والثناء، وإن لم يمتثل فإنه يستحق الذم والعقوبة، فرآه العقلاء وهو يعاقبه فقالوا له: لم تعاقبه؟ فقال: إني أمرته أنه يسقيني ماءً فعصاني ولم يفعل، فإن هؤلاء يتفقون معه على حسن لومه وعقابه نظراً لمخالفته الأمر فدل ذلك على أنه ما استحق الذم والعقوبة إلا لأنه ترك واجباً لأن الواجب هو الذي يذم على تركه مطلقاً وهذا متقرر في أذهان العقلاء.

فهذه الأدلة تفيدك أيها الطالب إفادةً صريحة أن صيغة الأمر المطلقة أي المتجردة عن القرائن تفيد الوجوب، فإذا تقرر لك ذلك فاعلم أن هذه القاعدة مطردة في جميع الفروع فكل أمرٍ يمر عليك في الكتاب أو السنة فاحمله على الوجوب إلا إذا ورد الصارف له عن بابه إلى باب آخر، من غير فرق بين باب العبادات وباب الآداب ذلك لأن بعض العلماء قال: إذا كان الأمر في باب العبادات فهو للوجوب وإذا كان في الآداب فهو للاستحباب ولا دليل على هذا التفريق بل الأدلة السابقة عامة في جميع الأوامر من غير فرقٍ بين أمرٍ وأمر، بل نحن نجد في الآداب ما هو واجب بمجرد الأمر به كالأكل باليمين والتسمية على الطعام ونحوها.

والمراد: أن هذا التفريق لا وجه له، والأصل أن تبقى هذه الأدلة على عمومها حتى يرد المخصص ولا مخصص هنا، فالأوامر كلها وفي جميع الأبواب تفيد الوجوب عند تجردها عن القرائن، هذا هو الصواب الذي دلت عليه الأدلة، والله أعلم.

إذا علمت هذا فلم يبق إلا الفروع وهي كثيرة لكن أذكر ما تيسر منها فأقول:

منها: قوله r للغلام الذي رآه تطيش يده في الطعام: ((يا غُلام سَمِّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك)) فهذه ثلاثة أوامر، الأول: (سم الله) فهو أمر بالتسمية فالأصل فيه الوجوب إذ لا قرينة هنا تصرفه عن بابه، فنقول: التسمية عند الطعام واجبة وقد دلت أدلة أخرى على هذا الحكم وأكدته بأن ترك التسمية سبب لاستحلال الشيطان للطعام. الثاني: قوله (وكل بيمينك) فهذا أمر فالأصل فيه الوجوب، فنقول: الأكل باليمين واجب وقد دلت أدلة أخرى على ذلك وأكدته بأن الشيطان يأكل بشماله، الثالث: (وكل مما يليك) فهذا أمر والأمر يفيد الوجوب، فنقول: يجب على الإنسان أن لا يأكل إلا مما يليه، لكن عندنا حديث أنس أن النبي r كان يتتبع الدباء من القصعة، فظن بعض العلماء أنه صارف للأمر عن الوجوب إلى الندب وهذا ليس بصحيح، بل الصواب أن يقال: إذا كان الطعام واحداً أي نوع واحد فيجب على الإنسان أن يأكل مما يليه، وإذا كان الطعام أصنافاً متنوعة فللإنسان حق الاختيار ويأكل مما شاء فالأمر في قوله: (وكل مما يليك) على بابه وهو الوجوب لكن فيما إذا كان الطعام واحداً، والله أعلم.

ومنها: قوله r (( أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)) رواه الأربعة، ولأبي داود: ((إذا توضأت فمضمض)).

فها هنا عدة أوامر: الأول: قوله: (اسبغ الوضوء) أمر بالإسباغ فيكون واجباً والإسباغ هو تعميم العضو بالماء مع الإسالة وهذا صحيح فالأمر فيه يفيد الوجوب.

الثاني: قوله: (وخلل بين الأصابع) أمر والأصل أنه يفيد الوجوب لكن نظرنا فوجدنا قرينة تصرفه إلى الندب وهو أن جميع الذين وصفوا وضوءه r لم يذكروا أنه كان يخلل أصابعه مما يدل على أنه لم يكن يواظب عليه إذ لو كان مما يواظب عليه لنقله هؤلاء فلما لم ينقلوه دل على أن قوله: (وخلل بين الأصابع) ليس على بابه الذي هو الوجوب وإنما هو للندب فيكون التخليل مندوباً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير