تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثالث: قوله: (وبالغ في الاستنشاق) هنا أمران: أمر بالاستنشاق، وأمر بالمبالغة، فأما الأمر بالاستنشاق فهو على بابه وهو الوجوب ويتأيد ذلك بقوله r : (( إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً) وفي رواية: ((ومن توضأ فليستنشق) وفي رواية: ((فليستنشق بمنخريه من الماء))، فالأمر بالاستنشاق على بابه وهو الوجوب. فنقول: من واجبات الوضوء الاستنشاق، وأما المبالغة فأمر بها هنا في حديث لقيط بن صبرة ولكنه لم يأمر بها في حديث أبي هريرة وجميع الواصفين لوضوئه لم يذكروا أنه كان يبالغ في الاستنشاق فدل ذلك على أن المبالغة فيه سنة لورود القرينة الصارفة.

الرابع: قوله: (إذا توضأت فمضمض) وهذا أمر بالمضمضة والأصل في الأمر المطلق الوجوب، فنقول: المضمضة واجبة ولم تأت قرينة تصرفه عن بابه بل تأيد ذلك بأحاديث أخرى تفيد أن الأمر بها يراد به الوجوب، والله أعلم.

ومنها: حديث أبي هريرة مرفوعاً: " إذا صلى أحدكم الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على شقه الأيمن " فهذا أمر بالاضطجاع بعد سنة الفجر، والأصل أنه للوجوب، لكن ورد له ما يصرفه عن بابه إلى الندب وذلك في حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة نومهم عن صلاة الفجر قال: " فأذن بلال فصلى النبي r ركعتي الفجر ثم أقيمت الصلاة فصنع كما كان يصنع كل يوم " فهنا لم يضطجع r بعد ركعتي الفجر ففعله هذا صرف الأمر عن بابه إلى الندب، فنقول: الاضطجاع على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر سنة.

ومنها: قوله r : (( صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب)) ثم قال: ((لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة)) رواه البخاري، فقد أمر r بالصلاة قبل المغرب فالأصل في أمره الوجوب لكنه قال (لمن شاء) وهذه قرينة تصرف الأمر عن الوجوب إلى الندب ولو لم ترد هذه اللفظة لقلنا إن الصلاة قبل المغرب واجبة لكن لما وردت القرينة الصارفة للأمر إلى الندب قلنا بها.

ومنها: قوله r : (( توضؤوا من لحوم الإبل)) فهذا أمر بالوضوء من لحمها والأصل في الأمر أنه للوجوب، ولا أعلم قرينة تصرف الأمر عن بابه فالبقاء عليه هو المتعين، فنقول: الوضوء من أكل لحم الإبل واجب للأمر به وهذا هو الراجح وهو من مفردات الإمام أحمد.

ومنها: قوله r : (( من غسل ميتاً فليغتسل ومن حمله فليتوضأ)) على التسليم بأنه يحتج به فإن الأمرين فيه للاستحباب لا للوجوب بدليل قوله في الحديث الآخر ((ليس عليكم من غسل ميتكم غسل فإن ميتكم يموت طاهراً))، ومثله أن أم عطية تولت هي وبعض النساء غسل بنت رسول الله r وذكرت أنه دخل عليهن وأمرهن أن يغسلوها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك وأنه أعطاهن حقوه ولم تذكر أنه أمرهن بعد الفراغ من غسلها أن يغتسلن أو يتوضأن ولو أمرهن لنقلته لنا فلما لم يأمرهن بالاغتسال دل ذلك على عدم وجوبه لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وغسلت أسماء بنت عميس رضي الله عنها أبا بكر t وخرجت وسألت الصحابة هل عليها غسل؟ فقالوا: لا، فهذا يُعَدُّ صارفاً للأمر في الحديث، فنقول: من غسل ميتًا فليغتسل استحباباً ومن حمله فليتوضأ استحباباً هذا إذا سلمنا سلامة الحديث للاحتجاج وإلا فقد قال أحمد: لا يصح في هذا الباب شيء، والله أعلم.

ومنها: قوله r في المذي: ((توضأ واغسل ذكرك)) فهذا أمر وهو للوجوب ولا نعلم له صارفاً، فنقول: من خرج منه مذي فيجب عليه أن يغسل ذكره ويتوضأ للأمر به، والله أعلم.

ومنها: قوله r : (( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) فهذا أمر والأصل فيه الوجوب، وبه قال بعض أهل العلم، لكن ورد ما يصرفه عن بابه وهو ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي r سمع مؤذناً يؤذن فقال: الله أكبر الله أكبر، فقال: على الفطرة، ثم قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله، فقال: خرجت من النار … فلو كانت الإجابة واجبة لأجابه النبي r .

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير