ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[14 - 03 - 10, 04:23 ص]ـ
قصة تطليق مغيث لبريرة
قال البخاري - رحمه الله - باب (شفاعة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -): " حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعبَّاسٍ يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ رَاجَعْتِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي قَالَ إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ قَالَتْ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ ".
وجه الدلالة: استفسارها - رضي الله عنها - من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ان كان يأمر أم يشفع؛ يدل على ان القاعدة كانت مستقرة بين الصحابة - رضي الله عنهم -.
ما رأيكم؟
وفقتَ أخي الفاضل أبا سلمى
قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((لو راجعته)) يظهر من الجملة العرض والترغيب، وربما ظهر لبريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - حاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فحال الآمر الجازم لا كحال النادب المحبّب، وهذا أحد صوارف الأمر إلى الندب.
وصوارفه الأخرى التي تصدق على بريرة كالعلم من أدلة أخرى أن المطلقة لا يجب عليها الرجوع إلى زوجها، فاستيقنت من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأمر فوجدته على الأصل.
وذكر العلماء للأمر ستة عشر معنى غير الوجوب تثبت له بصوارف متفرقة في كتب الأصول؛ وجعلوا باب الآداب كله صارفا للأمر عن الوجوب والنهي عن الحرمة إلا ما خصصه الشارع .... وإثبات هذه الكلية للآداب لا يشترط له صيغة تخصه، وإنما يفهمه العلماء من كلام الشرع استقراءً.
قال أبو إسحاق الشاطبي (3/ 419): "وأيضا فالأوامر والنواهي من جهة اللفظ على تساو في دلالة الاقتضاء والتفرقة بين ما هو منها أمر وجوب أو ندب وما هو نهي تحريم أو كراهة لا تعلم من النصوص، وإن علم منها بعض فالأكثر منها غير معلوم، وما حصل لنا الفرق بينها إلا باتباع المعانى والنظر إلى المصالح وفي أي مرتبة تقع، وبالاستقراء المعنوي، ولم نستند فيه لمجرد الصيغة وإلا لزم في الأمر أن لا يكون في الشريعة إلا على قسم واحد لا على أقسام متعددة والنهي كذلك أيضا، بل نقول كلام العرب على الإطلاق لا بد فيه من اعتبار معنى المساق في دلالة الصيغ وإلا صار ضحكة وهزءة".
وقوله (4/ 57): "العموم إذا ثبت فلا يلزم أن يثبت من جهة صيغ العموم فقط، بل له طريقان: أحدهما الصيغ إذا وردت وهو المشهور فى كلام أهل الأصول؛ والثاني استقراء مواقع المعنى حتى يحصل منه في الذهن أمر كلي عام فيجرى في الحكم مجرى العموم المستفاد من الصيغ".
وقال (4/ 65): "ولهذه المسألة فوائد تنبني عليها أصلية وفرعية وذلك أنها إذا تقررت عند المجتهد ثم استقرى معنى عاما من أدلة خاصة واطرد له ذلك المعنى لم يفتقر بعد ذلك إلى دليل خاص على خصوص نازلة تعن بل يحكم عليها وإن كانت خاصة بالدخول تحت عموم المعنى المستقري من غير اعتبار بقياس أو غيره إذ صار ما استقرى من عموم المعنى كالمنصوص بصيغة عامة فكيف يحتاج مع ذلك إلى صيغة خاصة بمطلوبه".
يبقى أن نثير بعض أفراد الاستقراء حتى يحصل العلم من أن الأمر والنهي في باب الآداب للندب والكراهة، قد ذكر بعضها هنا ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=118179) ومنها ننقل:
مسألة الاستنجاء باليمين (فتح الباري 1/ 253)، مسألة مسك الذكر حال البول (العدة على إحكام الأحكام 1/ 262)، مسألة النهي عن الغيلة (التمهيد 13/ 93)، مسألة النهي عن القران بين التمرتين (شرح النووي لصحيح مسلم 13/ 223)، مسألة الأكل أو الشرب بالشمال (فتح الباري 9/ 522 شرح النووي لصحيح مسلم 13/ 191، والآداب الشرعية لابن مفلح 3/ 168)، مسألة التسمية عند الأكل (المحلى 7/ 424)، مسألة السلام (شرح النووي لصحيح مسلم 14/ 140)، مسألة الابتداء باليمنى عند الانتعال وباليسرى عند الخلع (الفتح 10/ 321)، مسألة النهي عن المشي في نعل واحدة (طرح التثريب 8/ 134)، مسألة تغيير الشيب (شرح النووي لصحيح مسلم 14/ 80)، مسألة قراءة القرآن في أقل من ثلاث (لفتح 9/ 97)، مسألة الفرار من المجذوم (الفتح 10/ 162)، مسألة لعق اليد بعد الطعام، مسألة عيادة المريض (الإحكام مع العدة 4/ 490)، مسألة تشميت العاطس (الإحكام مع العدة 4/ 491)، مسألة إجابة الداعي (الإحكام مع العدة 4/ 493) ....
قلت: ومن أعظم ما يصرف الأمر والنهي عن الوجوب والاستحباب اجتماع الأمر والنهي بالإقرار بالفعل أو الإباحة. والله أعلم.
¥