تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفى صحيح البخاري من حديث أبى هُريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ((ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَيُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لضهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ من ابنِ السَّبِيلِ، وَرجُلٌ بَايَع إمامَه لا يُبَايعُهُ إلا لِلدُّنْيَا فإنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا، رَضِىَ، وإنْ لَمْ يعْطِهِ مِنْهَا، سَخطَ وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَةً بَعْدَ العَصْرِ فَقَالَ: واللَّهِ الذِى لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ أُعْطِيتُ بِهَا كَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ، ثُمَّ قَرَأَ هذِهِ الآيةَ: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُون بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} [آل عمران: 77]، وفى سنن أبى داود عن بُهَيْسَة قالت: استأذن أبى النبىَّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعلَ يدنو منه ويلتزمُه، ثم قال: يانبى اللَّه ما الشىءُ الذى لا يَحِلُّ منعُه؟ قال: الماء قَالَ: ((يا نبىَّ اللَّهِ ما الشىءُ الذى لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ المِلْحُ، قال: يانبِىَّ اللَّهِ ما الشَّىءُ الَّذى لاَ يحِلُّ مَنْعُهُ؟ قال: أن تَفْعَلَ الخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ)).

الماء خلقه اللَّه فى الأصل مشتركاً بين العباد والبهائم، وجعله سقيا لهم، فلا يكون أحدٌ أخصَّ به مِن أحد، ولو أقام عليه، وتَنَأَ عليه، قال عمرُ ابن الخطاب رضى اللَّه عنه ابنُ السبيل أحقُّ مِن التَّانىء عليه، ذكره أبو عبيد عنه.

وقال أبو هريرة: ابنُ السبيلِ أول شاربٍ.

فأما من حازه فى قِربته أو إنائه، فذاك غيرُ المذكور فى الحديث، وهو بمنزلة سائر المباحات إذا حازها إلى ملكه، ثم أراد بيعَها كالحطب والكلأ والملح، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: ((لأنَ يَأخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتَى، بحُزْمَةِ حَطَبٍ على ظَهْرِهِ فيبيعها فَيكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهَ خَيْرٌ لَهُ منْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ)) رواه البخارى.

وفى ((الصحيحين)) عن على رضى اللَّه عنه قال: أصبتُ شَارِفَاً مع رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فى مغنم يَوْم بدر، وأعطانى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم شَارِفاً آخر، فأنختُهما يوماً عِند بابِ رجل من الأنصار وأنا أُريدُ أنْ أَحْمِلَ عَليهما إذخراً لأبيعه. وذكر الحديثَ فهذا فى الكلأ والحطب المباح بعد أخذه وإحرازه، وكذلك السمكُ وسائر المباحات، وليس هذا محلَّ النهى بالضرورة ولا محلَّ النهى أيضاً بيعُ مياه الأنهار الكِبار المشتركة بين الناس، فإن هذا لا يُمكن منعُها، والحجرُ عليها، وإنما محل النهى صور، أحدها: المياه المنتقعة مِن الأمطار إذا اجتمعت فى أرض مباحة، فهى مشتركة بينَ الناس، وليس أحد أحقَّ بها مِن أحد إلا بالتقديمِ لقُرب أرضه كما سيأتى إن شاء اللَّه تعالى، فهذا النوعُ لا يَحِلُّ بيعُه ولا منعُه، ومانعُه عاصٍ مستوجبٌ لوعيد اللَّه ومنع فضله إذ منع فضل ما لم تعمل يداه.

فإن قيل: فلو اتخذ فى أرضه المملوكة له حفرةً يجمع فيها الماء، أو حفر بئراً، فهل يملِكُه بذلك، ويحل له بيعُه؟ قيل: لا ريب أنه أحقُّ به مِن غيره، ومتى كان الماءُ النابع فى ملكه، والكلأ والمعدن فوقَ كفايته لشربه وشرب ماشيته ودوابه، لم يجبُ عليه بذلُه، نص عليه أحمد، وهذا لا يدخُلُ تحتَ وعيدِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فإنه إنما توعَّد مَنْ منع فضل الماء، ولا فضلَ فى هذا.

فصل

وما فَضَل منه عن حاجته وحاجةِ بهائمه وزرعه، واحتاج إليه آدمى مثلُه أو بهائمه، وبَذَلَه بغير عوض، ولكل واحد أن يتقدَّم إلى الماء ويشربَ ويسقى ما شيته، وليس لصاحب الماء منعُه مِن ذلك، ولا يلزم الشارب وساقى البهائم عِوَضٌ وهل يلزمُه أن يبذُلَ له الدلوَ والبَكرة والحبلَ مجاناً، أو له أن يأخُذَ أجرته؟ على قولين وهما وجهان لأصحاب أحمد فى وجوب إعارة المتاع عند الحاجة إليه، أظهرهُما دليلاً وجوبُه، وهو مِن الماعون. قال أحمد: إنما هذا فى الصحارى والبرية دون البنيانِ يعنى: أن البنيان إذا كان فيه الماءُ، فليس لأحد الدخولُ إليه إلا بإذن صاحبه، وهل يلزمُه بذْل فضل مائه لزرعِ غيره؟ فيه وجهان، وهما روايتان عن أحمد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير