والدليل على هذا الأصل: الكتاب، والسنة، والإجماع، والاعتبار.
أما الكتاب، فقوله سبحانه وتعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ} [الأحزاب: 5] وقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].
/وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن الله ـ تعالى ـ قال: (قد فعلتُ) لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بهذا الدعاء. وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من كَنْز تحت العرش)، (إنه لم يقرأ بحرف منها إلا أعطيه).
وإذا ثبت بالكتاب المفسر بالسنة أن الله قد غفر لهذه الأمة الخطأ والنسيان، فهذا عام عمومًا محفوظًا، وليس في الدلالة الشرعية ما يوجب أن الله يعذب من هذه الأمة مخطئًا على خطئه، وإن عذب المخطئ من غير هذه الأمة.
وأيضًا، فقد ثبت في الصحيح من حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن رجلا لم يعمل خيرًا قط فقال لأهله: إذا مات فأحرقوه، ثم أذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا به كما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا هو قائم بين يديه، ثم قال: لم فعلتَ هذا؟ قال: من خشيتك يا رب، وأنت أعلم، فغفر الله له).
/ وهذا الحديث متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه أصحاب الحديث والأسانيد من حديث أبي سعيد، وحذيفة وعقبة بن عمرو، وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة يعلم أهل الحديث أنها تفيدهم العلم اليقيني، وإن لم يحصل ذلك لغيرهم ممن لم يشركهم في أسباب العلم، فهذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله ـ تعالى ـ على إعادة ابن آدم، بعد ما أحرق وذرى، وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك، وهذان أصلان عظيمان:
ـ[أبوحاتم الشريف]ــــــــ[05 - 07 - 03, 05:28 ص]ـ
وهذان أصلان عظيمان:
أحدهما: متعلق بالله ـ تعالى ـ وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير.
الثانى: متعلق باليوم الآخر وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله، ومع هذا فلما كان مؤمنًا بالله في الجملة، ومؤمنًا باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملا صالحًا ـ وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه ـ غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله، واليوم الآخر والعمل الصالح.
وأيضًا، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: [أن الله يخرج من النار من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان) / وفي رواية: (مثقال دينار من خير، ثم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)، وفي رواية: (مثقال دينار من خير، ثم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان) وفي رواية: (من خير) (ويخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ـ أو خير) وهذا وأمثاله من النصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يدل أنه لا يخلد في النار من معه شيء من الإيمان والخير وإن كان قليلا، وأن الإيمان مما يتبعض ويتجزأ. ومعلوم ـ قطعًا ـ أن كثيرًا من هؤلاء المخطئين معهم مقدار ما من الإيمان بالله ورسوله؛ إذ الكلام فيمن يكون كذلك.
وأيضًا، فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل، واتفقوا على عدم التكفير بذلك، مثلما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي، وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة، وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه، ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف، وكذلك لبعضهم في قتال بعض، ولعن بعض، وإطلاق تكفير بعض، أقوال معروفة.
¥