ـ[المستفيد7]ــــــــ[26 - 06 - 03, 08:32 ص]ـ
في الشرح الممتع للشيخ محمد العثيمين رحمه الله تعالى رحمة واسعة:
((قوله: «وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة».
هذا الكلامُ هو لفظُ حديثٍ أخرجَه مسلمٌ عن أبي هريرة، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أُقيمتِ الصَّلاةُ فلا صلاةَ إلا المكتوبةُ» فتكون هذه مسألةً ودليلاً، أي: أنَّ المؤلِّفَ جَمَعَ بين كونِهِ ذكرَها مسألةً مِن مسائلِ العِلمِ، وهي نفسُها دليلٌ، وهذا نادرٌ.
وقوله: «إذا أُقيمت» هل المراد بإقامة الصَّلاةِ الذِّكرِ المخصوصِ الذي هو الإعلامُ بالقيامِ إلى الصَّلاةِ، أو المرادُ نفسُ الصَّلاةِ؛ لأنَّ اللهَ قال: {أقيموا الصلاة} [البقرة: 43] أي: إذا شَرَعَ الإمامُ بالصَّلاةِ، فلا صَلاةَ إلا المكتوبةُ؟ في هذا خِلافٌ بين أهل العِلمِ الذين شرحوا الحديثَ:
القول الأول: أنَّ المرادَ بإقامةِ الصَّلاةِ الشروعُ فيها، أي: تكبيرةَ الإحرامِ.
القول الثاني: أنَّ المرادَ بالإقامةِ ابتداءُ الإقامةِ؛ التي هي الإعلامُ بالقيامِ إلى الصَّلاةِ.
القول الثالث: أنَّ المرادَ انتهاءُ الإقامةِ، وهذا القولُ قريبٌ مِن القولِ الأولِ، وإنْ كان الإمامُ قد يتأخَّر عن إتمامِ الإقامةِ إمَّا بتسويةِ الصفوفِ، أو بحدوثِ عُذرٍ له أو ما أشبه ذلك.
ولكن إذا عرفنا الحكمةَ مِن النَّهي؛ أمكننا أنْ نحدِّدَ المرادَ بالإقامةِ، والحكمةُ مِن النَّهي هو: أن لا يتشاغلَ الإنسانُ بنافلةٍ يقيمُها وحدَه إلى جَنْبِ فريضةٍ تقيمُها الجماعةُ؛ لأنه يكون حينئذٍ مخالفاً للنَّاسِ مِن وجهين:
الوجه الأول: أنَّه في نافلةٍ، والنَّاسُ في فريضةٍ.
الوجه الثاني: أَنَّه يُصلِّي وحدَه، والنَّاسُ يصلُّون جماعةً.
ومِن المعلومِ أنَّ الإنسانَ لو شَرَعَ بالنَّافلةِ بعدَ أنْ يبدأَ المقيمُ بالإقامةِ، فإنَّه لن ينتهيَ منها غالباً إلا وقد شَرَعَ النَّاسُ في صلاةِ الجماعةِ. وعلى هذا؛ لا يجوزُ أنْ يبتدىءَ صلاةَ نافلةٍ بعدَ شُروعِ المقيمِ في الإقامةِ، لأنَّ عِلَّة النَّهي موجودةٌ في هذه الصُّورةِ، ومِن بابِ أَولى أن لا يَشرعَ في النَّافلةِ إذا انتهتِ الإقامةُ، أو إذا شَرَعَ الإمامُ في الصَّلاةِ.
وعلى هذا؛ فقولُه صلى الله عليه وسلم: «فلا صلاةَ إلا المكتوبةُ» أي: فلا صلاةَ تُبتدأُ إلا المكتوبةُ، فيتعيَّن أنْ يكون المرادُ بالإقامةِ الشروعُ فيها؛ لأنَّ الإنسانَ إذا ابتدأَ النافلةَ في هذا الوقتِ سوف يتأخَّرُ عن صلاةِ الجماعةِ.
مسألة: قوله صلى الله عليه وسلم: «فلا صلاة» هل يشمَلُ الابتداءَ والإتمامَ؟.
الجواب: في ذلك قولان لأهلِ العِلمِ.
القول الأول: أنَّه يشمَلُ الابتداءَ، والإتمامَ، أي: فلا صلاةَ ابتداءً ولا إتماماً، فلا يُتِمُّ صلاةً هو فيها، حتى إنَّ بعضَهم بالغ فقال: لو لم يبقَ عليه إلا التسليمةُ الثانيةُ وأقامَ المقيمُ فإنَّها تبطلُ صلاتُه؛ لأنَّ التسليمتينِ رُكنٌ مِن أركانِ الصَّلاةِ، أو واجبٌ، أو سُنَّةٌ.
القول الثاني: أنه لا صلاةَ ابتداءً وعلى هذا القول يُتِمُّ النَّافلةَ ولو فاتته الجَماعةُ.
والذي يظهر أن قولَه صلى الله عليه وسلم: «لا صلاةَ» المرادُ به ابتداؤها، وأنه يَحرُمُ على الإنسانِ أن يبتدىءَ نافلةً بعدَ إقامةِ الصَّلاةِ، أي: بعدَ الشروعِ فيها؛ لأنَّ الوقت تعيَّنَ لمتابعةِ الإمام.
قوله: «فإن كان في نافلة أتمها» أي: فإن كان شَرَعَ في النَّافلةِ ثم أُقيمتِ الصَّلاةُ أتمَّها، ولكن يتمُّها خفيفةً مِن أجلِ المبادرةِ إلى الدُّخولِ في الفريضة.
قوله: «إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها» بضم العين استئنافاً أي: فإنَّه يقطَعُها وبماذا تفوتُ الجماعةُ؟
الجواب: تفوتُ الجماعةُ على المذهب بتسليم الإمام قبلَ أن يكبِّرَ المسبوقُ تكبيرةَ الإحرامِ، فإذا سَلَّمَ الإمامُ قبلَ أنْ تكبِّرَ تكبيرةَ الإحرامِ فاتتك الجماعةُ، فإن كبَّرتَ للإحرامِ قبلَ أن يُسلِّمَ التسليمةَ الأُولى فقد أدركتَ الجماعةَ.
وبناءً على ذلك نقولُ لهذا الذي شَرَعَ في النَّافلةِ قبلَ إقامة الصَّلاةِ: استمرَّ إلا إنْ خشيتَ أنْ يُسلِّمَ الإمامُ قبلَ أن تُتِمَّ؛ فحينئذٍ اقْطَعْهَا؛ لأنك إذا خشيتَ أنْ يُسلِّمَ الإِمامُ قبلَ أن تُتِمَّ لزِمَ مِن ذلك تعارضُ نَفْلٍ مع فَرْضٍ؛ لأنَّ صلاةَ الجماعةِ فَرْضٌ والنَّافلةُ نَفْلٌ، والفَرْضُ مقدَّمٌ على النَّفلِ، وهذه المسألة يَنْدُرُ حصولُها إلا في صلاةِ الصُّبحِ مثلاً إذا كان الإمامُ يُسرِعُ وقد شرعتَ في النَّافلةِ قبلَ أن تُقامَ الصَّلاةُ بجزءٍ يسيرٍ فيمكن أنْ تخشى فواتَ الجماعةِ، لكن في الرُّباعيةِ والثُّلاثيةِ الغالب أنك لا تخشى فواتَ الجماعةِ، وعلى كلامِ المؤلِّفِ نقول: أتمَّ النافلةَ حتى لو لم تدركْ إلا تكبيرةَ الإحرامِ قبل تسليم الإمامِ التسليمةَ الأُولى.
والذي نرى في هذه المسألةِ: أنك إنْ كنتَ في الرَّكعةِ الثانيةِ فأتمَّها خفيفةً، وإنْ كنت في الرَّكعةِ الأولى فاقطعْهَا.
ومستندُنا في ذلك قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن أدركَ ركعةً مِن الصَّلاةِ فقد أدركَ الصَّلاةَ» وهذا الذي صَلَّى ركعةً قبلَ أَنْ تُقامَ الصَّلاةُ يكون أدركَ ركعةً مِن الصَّلاةِ سالمة مِن المعارضِ الذي هو إقامةُ الصَّلاةِ، فيكون قد أدرك الصلاةَ بإدراكِه الركعةَ قبلَ النهي فليُتمَّها خفيفةً، أما إذا كان في الركعة الأولى ولو في السَّجدةِ الثانيةِ منها فإنَّه يقطعُها؛ لأنه لم تتمَّ له هذه الصَّلاةُ، ولم تخلصْ له؛ حيث لم يدركْ منها ركعة قبلَ النَّهي عن الصَّلاةِ النافلةِ.
وهذا هو الذي تجتمع فيه الأدلَّةُ.)) اهـ.
¥