تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه الحركة المتغيرة الدائبة للتشريع الإسلامي تقتضي أن يكون لدينا في كل العصور وعلى مدار التاريخ رجال علماء أكفاء يضبطون حياة الناس ويوجهونها وفق الإسلام. وهؤلاء العلماء لا يجوز فقط أن يكونوا في موقف الإفتاء فقط، بل أيضاً في موقع التنفيذ والقضاء، ولذلك اشترط المسلمون للإمام العام أن يكون مجتهداً وذلك أنه يحتاج في كل يوم أن يتخذ من المواقف والأحكام مع المسلمين وغيرهم من الأعداء المحاربين، والمسالمين والمستأمنين والمعاهدين ما يتفق مع الدين الذي أنزله الله سبحانه وتعالى وهذا يحتاج إلى الاجتهاد، وكذلك اشترط في القاضي أيضاً أن يكون مجتهداً لأن الوقائع والمشاكل التي تعرض على القضاء ليست متماثلة بما وقع في صدر الإسلام وفي عهد التشريع من كل وجه، بل في كل يوم يواجه القضاء مشكلات جديدة وحيلاً شتى ووقائع متغيرة، وما لم يكن القاضي فقيهاً مجتهداً فإنه لا بد وأن يحكم بالجهل ويقع في الظلم.

لهذه الأسباب فالمسلمون يحتاجون في كل يوم بل في كل ساعة إلى اجتهاد فقهي جديد: اجتهاد في الإفتاء، واجتهاد في القضاء، واجتهاد لتنفيذ الأحكام وتطبيق الشريعة وفق مقتضيات الحال وتغير المشكلات. ولنضرب على هذا أمثلة من واقعنا السياسي: -

* سياسياً: المسلمون اليوم في حاجة ماسة إلى خلافة راشدة فكيف توجد الآن وما هو الطريق لها وفق الكتاب والسنة؟! يحتاج هذا إلى اجتهاد ودعوة. . نقابل اليوم أعداء كثيرين فاليهود تحتل أرضنا وتشرد رجالنا ونساءنا وأطفالنا، فما هو الواجب اليوم معهم؟ هل الواجب الحرب أم العهد أم السلام والصلح؟! وإذا كان الحرب فكيف؟! وإذا كان العهد فما هي مواصفاته وشروطه؟!! وإذا كان السلام فما أيضاً مواصفاته وشروطه؟!

* إقتصادياً: هل يجوز أن نودع أموالنا في بلاد الغرب؟! وإذا كان جائزاً فهل يجوز وضع هذا المال بالفوائد أم بدونها؟ وإذا لم يكن جائزاً فما الحل؟. . هذا إلى عشرات ومئات المشكلات الاقتصادية في العمل، والشركات، والتأمين، والتجارة، وتحويل المال و. . وكل هذا يحتاج إلى علماء أعلام يفهمون الحياة ونظم المال الحاضرة ويفتون المسلمين بما يجب عليهم في كل هذا.

وهكذا مشكلاتنا الاجتماعية والخلقية والنفسية، ومشكلات التطبيق للشريعة الإسلامية في العصر الراهن ومشكلات المسلمين في بلاد الكفار إلى آلاف المشكلات وكلها تحتاج إلى اجتهاد وحلول.

باختصار، المسلمون اليوم في حاجة ماسة إلى حركة اجتهادية تجديدية لا تكتفي فقط بإصدار الفتوى ولكن أيضاً بمواكبة العمل بالإسلام في إطار الفرد والجماعة والدولة. وهذه الحركة الاجتهادية التجديدية هي التي تميز للمسلمين طريق العمل بالإسلام في الوقت الحاضر وتأخذ بخطاهم خطوة خطوة نحو تحكيم الشريعة في جميع شئون الحياة، وبدون هذه الحركة التجديدية الاجتهادية الكاملة ستبقى الشريعة الإسلامية بمعزل عن حياة الناس وواقع التطبيق كما هو حادث الآن.

كيف نجتهد

عرف العلماء الاجتهاد الشرعي بأنه بذل الجهد للوصول إلى ظن بحكم شرعي. وهذا يعني أن المجتهد يبذل جهده ليعرف مراد الله سبحانه وتعالى في قضية ما. فإما أن نعرف الحكم من نص قرآني أو حديث نبوي أو إجماع للصحابة رضوان لله عليهم.

وأما أن يعرف هذا باستنباط وفهم من آية أو حديث وهذا الفهم يصيب ويخطئ، ولذلك كان الاجتهاد الذي ينبني على الفهم والاستنباط ظنياً لأن الفهم والاستنباط غير معصوم ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله: كل رجل يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر. يعني النبي صلى الله عليه وسلم (إرشاد السالك (227: 1)).

والذي يعمل عقله وفهمه لمعرفة حكم ما لا بد بالطبع أن يكون أهلاً لذلك، ولذلك وضع العلماء شروطاً للاجتهاد أعدلها: أن يكون المجتهد على علم بالقرآن والسنة وفهم لغة العرب وفهم الحادثة والواقعة المراد التشريع لها ومعرفة النصوص الخاصة في شأن مثل هذه الواقعة. وهذا العلم بحمد الله متيسر لكل من بذل في هذا جهداً مناسباً كما قال تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} (القمر: 17)، وقال صلى الله عليه وسلم: [بعثت بالحنيفية السمحة] (أخرجه أحمد (266: 5) والطبراني (7868) وهو حديث حسن)، وقال: [إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه] (أخرجه البخاري (93

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير