”دروسٌ في علم المختصرات” ـ[الدرس السادس]: (حكم الإفتاء من المختصرات)
ـ[عبدالله الشمراني]ــــــــ[03 - 07 - 03, 02:13 ص]ـ
”دروسٌ في علم المختصرات” ـ المختصرات الفقهية نموذجًا
[الدرس السادس]
(حكم الإفتاء من المختصرات)
ذكرت في الدرس الثاني: (مآخذ المختصرات الفقهيَّة)، جملةُ من المآخذ وكان مما قلته:
(7) احتواءُ بعضِ المختصراتِ على مُطْلقاتٍ مقيَّدةٍ في غيرها، وعموماتٍ مخصَّصة في غيرها.
وهذا مزلقٌ خطير لمن أفتى من ”المختصرات”، دون علمٍ بهذه المطلقات، والعمومات.
(8) كما أنَّ بعضَها فيه من الاختصارِ المخلِّ الذي لا يُفْهَم معناه إلى بعد الاطِّلاع على كتب ”الشروح”، و ”الحواشي”.
وأزيد ـ هنا ـ ما يتعلّق بحكم الإفتاء من هذه ”المختصرات”؛ فأقول:
نصَّ العلامة: القرافي ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ ت (684هـ) على تحريم الإفتاء من ”المختصرات” التي فيها مطلقاتٌ مقيَّدة في غيرها، أو عموماتٌ مخصوصة في غيرها، وإنْ أجادَ ـ من أفتى بها ـ حِفْظَها، وفِهْمَها، إلا في مسألةٍ يقطع فيها أنَّها مستوعبة التقييد، وأنَّها لا تحتاج إلى معنى آخر من كتابٍ آخر، وتكون هي عين الواقعة المسؤول عنها، لا أنَّها تشبهها.
قال ـ القرافي رَحِمَهُ اللَّهُ ـ في: ”أنوار البروق في أنواء الفروق”، (2/ 107):
(الفرق الثامن والسبعون بين قاعدة من يجوز له أن يفتي وبين قاعدة من لا يجوز له أن يفتي:
اعلم أنَّ طالب العلم له أحوال:
الحالة الأولى: أن يشتغل بمختصرٍ من مختصرات مذهبه، فيه مطلقاتٌ مقيَّدة في غيره، وعموماتٌ مخصوصة في غيره، ومتى كان الكتاب المعين حِفْظُه، وفِهْمُه كذلك، أو جوز عليه أن يكون كذلك؛ حرم عليه أن يفتي بما فيه، وإن أجاده حفظًا وفهمًا، إلا في مسألةٍ يقطع فيها أنَّها مستوعبة التقييد، وأنَّها لا تحتاج إلى معنى آخر من كتابٍ آخر، فيجوز له أن ينقلها لمن يحتاجها على وجهها، من غير زيادة ولا نقصان، وتكون هي عين الواقعة المسؤول عنها، لا أنَّها تشبهها، ولا تخرج عليها، بل هي هي حرفًا بحرف؛ لأنَّه قد يكون هناك فروق تمنع من الإلحاق، أو تخصيص، أو تقييد، يمنع من الفتيا بالمحفوظ؛ فيجب الوقف ... ) أ. هـ
وقال العلامة: ابن عابدين ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ في: ”رَدّ المحتار” (1/ 72 ـ 73):
(لا يجوز الإفتاء مما في الكتب الغريبة، وفي ”شرح: (الأشباه) ” لشيخنا، المحقِّق: هبة الله البعلي: قال شيخنا العلامة: صالح الجينيني: إنَّه لا يجوز الإفتاء من الكتب المختصرة؛ كـ: ”النهر”، و ”شرح: (الكنز) ” للعيني، و ”الدر المختار شرح: (تنوير الأبصار) ”. أو لعدم الاطلاع على حال مؤلفيها؛ كـ: ”شرح: (الكنز) ” لمنلا مسكين، و ”شرح: (النقاية) ” للقهستاني، أو لنقل الأقوال الضعيفة فيها؛ كـ: ”القنية” للزاهدي.
فلا يجوز الإفتاء من هذه إلا إذا علم المنقول عنه، وأخذه منه.
هكذا سمعته منه، وهو علامة في الفقه، مشهورٌ، والعهدة عليه أ. هـ
أقول [ابن عابدين]:
وينبغي إلحاق ”الأشباه والنظائر” بها، فإنَّ فيها من الإيجاز في التعبير، ما لا يُفهم معناه إلا بعد الاطلاع على مأخذه، بل فيها في مواضع كثيرة الإيجاز المخِلِّ، يظهر ذلك لمن مارس مطالعتها مع ”الحواشي”، فلا يأمن المفتي من الوقوع في الغلط، إذا اقتصر عليها. فلا بد له من مراجعة ما كتب عليها من ”الحواشي” أو غيرها.
ورأيت في: ”حاشية” أبي السعود الأزهري أنَّه: لا يُعْتمد على: ”فتاوى ابن نجيم”، ولا ”فتاوى الطوري”) أ. هـ
وقد سبق [في آخر الدرس الثاني] قول أ. د: محمد أبو الأجفان: (إنَّ المختصرات الفقهية، التي يؤدي اختصارها، إلى عدم ذكر: تقييد المطلق، الوارد فيها، وعدم تخصيص العام، المذكور فيها، لا تُعْتَمَد في الفتوى) أ. هـ
تنبيه:
أعلم أنَّ المراد بهذه المسألة ـ حكم الفتيا بالاعتماد على المختصرات ـ هو طالب العلم المتوسط، والمبتدئ من باب أولى.
أما طلاب العلم المتمكنين، العارفين بالمذهب، ودقائقه، فلا حرج عليهم من الفتيا بالاعتماد على المختصرات، لعلمهم بحقيقة الأمر جملة وتفصيلاً.
[وإلى لقاءٍ قريب ـ إن شاء الله ـ في الدرس السابع، وهو: (الْمَصَادِرُ العَامَّةِ، وَالْخَاصَّةِ لِدِرَاسَةِ المختصرات الفقهية)]