[بحث عن التجديد في الإسلام لفضيلة الشيخ محمد بن حسين يعقوب]
ـ[أحمد الأزهري]ــــــــ[02 - 07 - 03, 04:51 ص]ـ
بحث عن التجديد في الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ـ أما بعد ـ
أخرج أبو داود في سننه والحاكم في المستدرك والبيهقي في المعرفة وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (1874) عن أبي هريرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها "
قضية التجديد في الإسلام لماذا؟
1. كان التجديد في الأمم السابقة منوط بالأنبياء، فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء تولى الراية العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وذلك لأنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
2. التجديد تمس الحاجة إليه لاسيما في أوقات اشتداد الظلمة، إذ في الليلة الظلماء يفتقد البدر، وليتسلح المؤمن بسلاح الأمل حين تتسرب رياح اليأس والقنوط إلى القلوب، فالبلاء سنة كونية وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث الأمل في نفوس أهل الإيمان حين تشتد الأمور، مصداق ذلك حديث الخباب بن الأرت في صحيح البخاري وغيره قال: شكونا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو متوسد بردة له في طل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كان الرجل قبلكم يؤخذ فيحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين ما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله و الذئب على غنمه و لكنكم تستعجلون "
فالملاحظ هنا أنَّ بعض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يظنون أنَّ النصرة والتمكين قد تأتي بالقفز فوق السنن الكونية، وأنه يمكن بمجرد الدعاء أن تكون النصرة، فعدل النبي عن ذلك وشرح لهم سنة من سنن الله الكونية الباقية، في ابتلاء أهل الإيمان.
وفي رواية أخرى عند الإمام مسلم -يقول الخباب: " شكونا إلى رسول الله حر الرمضاء فلم يشكنا "
قال بعض أهل العلم: أي فلم يدع لنا، بل عزاهم بالسنن الكونية السارية.
وهذا الأمر له شواهده
يقول الله تبارك وتعالى: " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين "
وفي مطلع الدعوة كان التنبيه على أنَّ الابتلاء سنة كونية جارية، وأنَّ الأنبياء هم أشد الناس بلاءً، قال الله تعالى: " ولربك فاصبر "
وقال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم: " هذا الناموس الذي نزله الله به على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أومخرجي هم). قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي.
وفي حديث الخباب إشارة لبعث الأمل في الصدور " والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله و الذئب على غنمه و لكنكم تستعجلون " فبين أنَّ آفة " العجلة " و" القفز فوق السنن الكونية " لا تتماشى مع " الصبر " الذي هو أخص صفات أهل الإيمان، والذي يمتازون به عمن دونهم لدلالته على يقينهم بربهم وموعوده الذي لا يتخلف بنصرة أهل الدين والتمكين لهم في الأرض " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا "
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يبشر أصحابه بالمستقبل في أحلك الأمور، يبشرهم بفتح الأمصار وهو يحفر الخندق وهم يخشون الأحزاب التي جاءتهم من كل حدب وصوب، وكان صلى الله عليه وسلم يبث الأمل في صدور أهل الإيمان، ويأمرهم بنفض الشعور بالعجز عن أنفسهم، والاستقواء بالله والاستعانة به جل جلاله، لأنَّ سلاح الإيمان واليقين هو أمضى سلاح.
¥