تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الفرق بين الصغيرة والكبيرة وبيان الآثار المترتبة على ذلك]

ـ[خالد الفارس]ــــــــ[03 - 07 - 03, 06:03 م]ـ

[الفرق بين الصغيرة والكبيرة وبيان الآثار المترتبة على ذلك]

• بقلم: الشيخ أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ــ حفظه الله ــ.

الكلام في الفرق بين الصغيرة والكبيرة متشعِّب، وبحرٌ مُتلاطم، وهو مَحلُّ اختلافِ وجهاتِ نَظَرِ العلماء قديماً وحديثاً، وصنَّف في ذلك جمعٌ منهم.

وأحصر هذا المبحث في النقاط التالية:

أدلةُ التفريق بين الكبيرة والصغيرة.

توجيهُ كلام القائمين بعدمِ الفَرْق.

علاماتُ معرفة الكبيرة.

كلامُ جامعٌ للعلماء في التفريق.

معرفة الآثار المترتبة على الكبيرة.

هل يمكن معرفةُ الكبيرة بالاستنباط دونَ النّص؟

فنقول وبالله -سبحانه- الاستعانة:

لا شكَّ أنّ تقسيم الذنوب في الشريعة إلى كبائر وصغائرَ تتفقُ مع واقعية الشريعة وطبيعتها، فالأفعالُ ليست على رتبةٍ واحدةٍ، ولذا تَمايز الناس في الصلاح والفساد، كتمايز أهل الصلاح فيما بينهم، فهم ليسوا سواءً، وكذلك أهلُ الفساد فيما بينهم (1).

وجاءت النصوص في الكتاب والسنة الصحيحة والآثار السلفية في التفريق بين (الكبيرة) و (الصغيرة)، من ذلك:

أولاً: قوله -تعالى-: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31]، قال الطوفي: «فيه انقسامُ السيئات إلى كبائر وصغائر، وإنَّ اجتنابَ جميع الكبائر مكفرٌ لجميع الصغائر» (2)، وقال:

«وتكفيرُ الصغائر باجتناب الكبائر مناسبٌ عرفاً وشرعاً» (3).

ثانياً: قوله –تعالى-: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ} [النجم:32]، وأكثرُ المفسرين على أن اللّمم: صغائر الذنوب (4)، فنصَّت الآية بعبارتها على التفريق (5)، ولذا قال السفاريني بعدَ أن أورد هاتين الآيتين: «فالصحيح التقسيم» (6).

ووردت أحاديثُ صحيحةٌ كثيرةٌ ترتَّب عليها معتقدٌ لأهل السنة في هذا الباب؛ من مثل:

«الصلوات الخمسُ، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفراتُ ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر».

و «ما مِن مسلم تحضُره صلاةٌ مكتوبة، فيحسن وضوءَها وركوعها وسجودها؛ إلا كانت له كفارة لما مضى من الذنوب ما لم يأت الكبائر» (7).

فبناءً على هذين الحديثين -وغيرهما كثير- قرر أهل السنة أنّ الطاعات تكفّر الصّغائر (8)، وما عداها من الذنوب فأمرها إلى الله -عز وجل-، والواجب على صاحبها التوبة منها، وأنّ الله يغفرها دون الشرك.

قال البيهقي -رحمه الله-: «ففي هذه الأخبار وما جانسها من التغليظ في الكبائر والتكفير عن الصغائر ما يؤكد قول مَن فرّق بينهما» (9).

وقد يُفهَمً من هذا: أنّ هناك مَن لم يفرق بين (الصغائر) و (الكبائر)، وهذا واقع بلا دافع، ولكنّ الخلاف فيه لفظي لا حقيقي، وإليك البيان بإيجاز:

ذهب بعض العلماء (10) إلى كراهية تسمية معصية الله صغيرة؛ نظراُ إلى عظمة الله -تعالى-، وشدة عقابه، وإجلالاً له -عز وجل- عن تسمية معصيته صغيرة؛ وأنها بالنظر إلى عظمته كبيرةٌ أيُّ كبيرة.

وبناءً عليه؛ قرروا أنّ جميع الذّنوب كبائر، وتسمية بعضها صغائر، هو بإضافتها إلى ما هو أكبر منها.

وهذا الاختلاف إنما هو في التسمية فقط، لكن جميع العلماء مجمعون على أنّ المعاصي منها ما يقدح في العدالة، ومنها ما لا يقدح، فسموا ما يقدح بها كبيرة، وما لا يقدح صغيرة (11).

قال الزركشي -بعد أن نقل الاختلاف في تقسيم الذنوب، وخَتَمَها بمن عدها جميعاً كبائر-:

«والظاهر أنّ الخلاف لفظي، فإن رتبة الكبائر تتفاوت قطعاً» (12)، ثم قال -رحمه الله تعالى-:

«إذا قلنا بالمشهور فاختلفوا في الكبيرة، هل تُعرفُ بالحد أو بالعد؟ على وجهين، وبالأول قال الجمهور، واختلفوا على أوجه (13):

قيل: المعصية الموجبة للحد. وقيل: ما لحق صاحبَها وعيدٌ شديد. وقيل: ما تُؤذِنُ بقلة اكتراث مرتكبها بالدِّين ورقَّة الديانة. قاله إمام الحرمين (14). وقيل: ما نصَّ الكتابُ على تحريمه، أو وجب في جنسه حدٌّ، والظاهر أنّ كل قائل ذكر بعض أفرادها، ويجمع الكبائرَ جميعُ ذلك (15)، والقائلون بالعدّ اختلفوا في أنها هل تنحصر؟ فقيل: تنحصر، واختلفوا: فقيل: معينة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير