تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقد فطر الله سبحانه وتعالى الإنسان على توحيده والإيمان به، قال الله تعالى: ?فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ? [سورة الروم – الآية 30]، وقال تعالى: ?وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ? [سورة الأعراف – الآية 30]، ((فإنَّ الله تعالى فطر عباده على الدين الحنيف القَيِّم. فكل أحد مفطور على ذلك، ولكن الفطرة قد تُغَيَّر وتُبَدَّل، بما يطرأ على العقول مِن العقائد الفاسدة)) ِ [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان – عبد الرحمن السعدي]. ((ولما كان هذا الشعور فطرياً كما تبين، وجدنا أصل الإيمان قدراً مشتركاً بين جميع الأمم وفي مختلف الأقاليم، وفي شتى عصور التاريخ، وإن كان الكثيرون قد انحرفوا عن الإيمان الصحيح وخلطوه بأوهام وأباطيل كدرت نقاؤه وأفسدت جوهره)) [حقيقة الإيمان – د. عمر بن عبد العزيز قريشي (ج1، ص133)].

وقد ((هبط آدم إلى الأرض، وأنشأ الله مِن ذريته أمة كانت على التوحيد الخالص .. وبعد أنْ كان الناس أمة واحدة على التوحيد حصل الزيغ والانحراف، وكان أول انحراف حدث هو الغُلُو في تعظيم الصالحين، ورفعهم إلى مرتبة الآلهة المعبودة .. وهكذا استمرت رحمة الله وعنايته ببني آدم كلما ضلوا وزاغوا أنزل إليهم هداه يضيء لهم الظلمات)) [العقيدة في الله – د. عمر سليمان الأشقر (ص294، 295)]، فالتوحيد دعوة الرُسُلِ أجمعين، قال الله تعالى: ?وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ? [سورة النحل – الآية 36].

ونخلُص مِن هذا أن البشرية كانت على التوحيد، ثم طرأ الشرك عليها، فأرسل الله الرُسُل مبشرين ومُنذِرين، يصححون للناس دينهم، ويقومون انحرافهم.

ثالثاً: عقيدة المصريين القدماء وعقيدة إخناتون

كان المصريون القدماء عُبَّاد أوثان ولم يكونوا موحدين، وقد قال الله تعالى حكايةً عن نبيه يوسف وهو يخاطب صاحبيه في السجن: ?إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ? [سورة يوسف - الآية 37]، ثم دعاهم إل عبادة الله فقال: ?يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ? [سورة يوسف - الآية 37]،

وقد ذكر الله تعالى في مواضع عديدة من كتابه الكريم حال قوم فرعون مِن الكفر والإعراض، ومِن ثَم عاقبة جرمهم، قال تعالى: ?ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ? [سورة الأعراف - الآية 103]، وقال تعالى: ?كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ? [سورة الأنفال - الآية 52].

ولم يؤمن لموسى إلا القليل، قال الله تعالى: ?فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ? [سورة يونس - الآية 83]، ومِن الذين آمنوا سحرة فرعون، قال تعالى: ?فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى? [سورة طه - الآية 70].

وقال الله حاكياً عن مؤمن آل فرعون الذي آمن بموسى وهو يخاطب قومه: ?وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ? [سورة غافر - الآية 34].

أما إخناتون، فقد دعا إلى عبادة الشمس مِن دون الله، فقال مخاطباً قرص الشمس: "ما أجمل مطلعك في أفق السماء، أي آتون الحي، مبدأ الحياة؛ فإذا ما أشرقت في الأفق الشرقي، ملأت الأرض كلها بجمالك". وقد كان إخناتون يرى "أنَّ الألوهية أكبر ما تكون في الشمس مصدر الضوء وكل ما على الأرض من حياة"، على حد وصف أحد الباحثين.

ومما هو جدير بالذِّكر أنَّ عبادة الكواكب والنجوم والأجرام السماوية كانت منتشرة قبل الميلاد بقرون في حضارات العراق القديمة وغيرها مِن الأمم.

فهل تُعَدُّ دعوة إخناتون هذه توحيداً؟ أم هي إحدى دعوات الوثنية وأحد أشكال الانحراف العقدي الذي أصاب البشرية عبر تاريخها؟ وهل الدعوة إلى عبادة الشمس وترك عبادة آمون يمكن أن يُطلَق عليها دعوة للتوحيد؟

رابعاً: بطلان القول أن إخناتون أول مَن دعا إلى التوحيد

ونخلُص مما سبق إلى أنَّ دعوة إخناتون هي دعوة وثنية تمثل سلسلة مِن الانحراف الذي أصاب البشرية، وتناقض وتختلف مع دعوة التوحيد التي دعا إليها أنبياء الله ورسله. فلا يجوز أن نُسمي الدعوة إلى عبادة غير الله "دعوة إلى توحيد"، بل هي الدعوة إلى الشرك بالله.

فإخناتون ليس أول من نادى بالتوحيد:

- لأنه لم يكن موحداً أصلاً، بل كان وثنياً يعبد الشمس من دون الله.

- ولأن البشرية كانت على التوحيد منذ عهد آدم، والشرك طرأ عليها، فأرسل الله الرسل لإعادة البشرية إلى الصراط المستقيم الذي حادوا عنه. فإذا كان إخناتون أول مَن دعا إلى التوحيد (ولا يجوز تسمية هذا توحيداً)، فإلام كان يدعو الرسل مِن قبله؟

وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه: حاتم الحاجري، عفا الله عنه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير