[شرك الاستشفاع]
ـ[أبومعاذ الاثري]ــــــــ[04 - 12 - 10, 11:06 ص]ـ
حقيقة شرك الاستشفاع و كلام علماء الشافعية في ذلك:
شرك الشفاعة:
"وحقيقته: طلب الشفاعة من غير الله تعالى، على جهة أن المطلوب يملك الشفاعة ويستحق الإجابة على الله، وأن للشافع حقاً على الله تعالى، كما يكون من شفاعة من لهم جاه ومنزلة عند الملوك، فقد يجيبونهم إلى ما شفعوا فيه وإن كانوا يكرهون ذلك، وإنما أجابوهم رغبة أو رهبة، وذلك ولا شك تنقص لربوبية الله تعالى، وتقييد لإرادته ومشيئته سبحانه وتعالى.
فلا يملك أحد الشفاعة عنده إلا إذا أذن بذلك، أما أن يكون مجرد جاه الشافع ومنزلته موجبة لحصول المراد من الله، ومرجحاً في تحقيق المطلوب، أراد الله أو لم يرد، فهذا لا يكون. لأن نفاذ إرادة المخلوق على الخالق نوع ملك للمخلوق، وهي تقييد إرادة الخالق بينما هي إرادة مطلقة نافذة على جميع الخلق.
إنه عز وجل مالك الملك ورب جميع المخلوقات، وأن له التصريف والتدبير مطلقاً، وبذلك يعلم بطلان شرك اتخاذ الوسائط.
فمن أثبت لغير الله حق الشفاعة عند الله فقد قيد إرادة الله بإرادة المخلوق، وجعل إرادة المخلوق نافذة وحاكمة على إرادة الله سبحانه بينما المخلوق هو الذي لا يكون له فعل إلا بإرادة الله تعالى، فمشيئة المخلوق محكومة بمشيئة الله، وقد قال تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير /29].
فالعبد هو الذي تقيد مشيئته بمشيئة الله، وليس الله هو الذي تقيد مشيئته بمشيئة العبد.
ولأن مشيئة الله نافذة على كل مخلوق، وهو سبحانه لا مكره له، ولا استحقاق لأحد عليه، فمقتضى ذلك أن لا يكون لأحد حق الشفاعة عنده، بل الشفاعة لله وحده، يأذن فيها لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء.
ولهذا نفى الله أن يكون غيره يملك الشفاعة من دونه في آيات كثيرة فقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة /4].
وقال تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر / 18].
ويقول تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ {43} قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [43 - 44].
وقال تعالى: {لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} [الأنعام /51].
ويقول تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس/18]. والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة.
وقد فهم الوعيدية من الخوارج والمعتزلة هذه الآيات وأمثالها على أنها دالة على نفي الشفاعة مطلقاً، ولم يفرقوا بين الشفاعة المنفية التي هي بمعنى نفي ملكية الشفاعة بغير إذن الله واستحقاق الإجابة على الله، وبين الشفاعة التي يأذن فيها لمن يشاء من عباده كما وردت في ذلك نصوص أخرى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التفريق بين الشفاعة المنفية والشفاعة المثبتة: (الشفاعة المنفية هي الشفاعة المعروفة عند الناس عند الإطلاق، وهي أن يشفع الشفيع إلى غيره ابتداء فيقبل شفاعته. فأما إذا أذن له في أن يشفع فشفع، لم يكن مستقلاً بالشفاعة، بل يكون مطيعاً له أي تابعاً له في الشفاعة، وتكون شفاعته مقبولة
ويكون الأمر كله للآمر المسؤول) ().
والله مع أنه مالك الشفاعة فإنه قد يأذن فيها لمن يشاء من عباده، ولا يلزم من ذلك أن يكون المأذون له في الشفاعة قد ملكها مع الله، بل هي لله وحده قبل الإذن وبعده. وإنما يكرم بها الله بعض عباده ويشرفهم فيقبل شفاعتهم إذا كانت شفاعتهم عنده مرضية شرعاً.
¥