هل الكُفَّار مُخاطَبون بفروع الشريعة أم لا؟
ـ[حاتم الحاجري]ــــــــ[23 - 11 - 10, 10:46 م]ـ
أجمع أهل العِلم على أنَّ الكفَّار مخاطَبون بأصول الشريعة؛ لأنَّ الله تعالى أمَرَهم بالإيمان (نَقَلَ الإجماع الزركشي، وابن النَّجَّار وغيرهم؛ انظر: البحر المحيط، للزركشي [ج1/ص379]، الإبهاج، للسبكي [ج1/ص177]، شرح الكوكب المنير، لابن النَّجَّار [ج1/ص502]).
ولكن وَقَعَ الخِلاف في فُروع الشريعة، فمِن أهل العِلم مَن قال: إنهم مخاطَبون بالفروع أيضاً، وهذا مذهب جمهور الأصوليين ونُقِلَ عن الإمامين الشافعي ومالك وأقوى الروايتَيْن عن الإمام أحمد، وهو قول جماعة مِن الحنفية، منهم الكرخي والجصَّاص، وهو مذهب المعتزلة أيضاً.
ومنهم مَن قال: إنهم إنهم غير مخاطَبين بها، وهو قول أكثر الحنفية، وأبي حامد الإسفراييني مِن الشافعية، وابن خويزمنداد مِن المالكية.
ومنهم مَن قال: مخاطَبون بالنواهي دون الأوامِر، وهو رواية عن أحمد، وإليه ذهب الجرجاني وابن حامِد، وأبو يعلى في المجرد. ومنهم مَن قال بالعكس، ومنهم مَن استثنى مِن الأوامر الجهاد، ومنهم مَن مَن ذَكَر الحُكم بالتكليف في المرتد دون الكافِر الأصلي، ومنهم مَن جَعَل غير الحربي مُكَلَّفاً واستثنى الحربي، ومنهم مَن اختار التوقف (انظر في هذه المسألة: المحصول، شرح اللُمَع، للشيرازي [ج1/ص277]، المستصفى، للغزالي [ج1/ص91]، شرح الكوكب المنير، لابن النَّجَّار [ج1/ص500]، الإبهاج، للسبكي [ج1/ص177]، روضة الناظِر مع نزهة الخاطِر، لابن بدران [ج1/ص170]).
ومهما يَكُن مِن أمر فلا ينبغي أنْ يُخْتَلَف على أنَّ مَن عاش مِن أهل الذمة بيننا أنه تجري عليهم أحكامنا في المعاملات والعقوبات.
والذين قالوا إنهم مخاطَبون بفروع الشريعة استدلُّوا بقول الله سبحانه وتعالى: ?مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ? [سورة المدثر – الآيات 42، 43]، وبقوله سبحانه وتعالى: ?وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ? [سورة فُصِّلَت – الآيات 6، 7]، فرَتَّب العقوبة على عدم إتيانهم الزكاة وأدائهم الصلاة، مع وصفهم بالشِّرك، فدَلَّ على تكليفهم بها.
وقد يعترض مُعتَرِض فيقول: كيف يخاطَبون بالصلاة والزكاة وليسوا أهلاً لها لأدائها؟ إذ ليس للمشرِك نية تصِح بها الأعمال.
أو يُقال: ما فائدة تكليفهم بالصلاة والزكاة مع فقدانهم شرطها – وهو النية – وهي متوقِفة على الإسلام؟
والجواب: أنَّ فائدة التكليف بها أنْ يزيد الله لهم العذاب والعقوبة في الآخِرة، فكما يُعاقَبون على ترك الإيمان، يُعاقَبون على ترك العبادات (انظر المحصول، للرازي [ج2/ص238])، لأن الله تعالى قال: ?وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً? [سورة الإسراء – الآية 15]، وقد جاءهم الرسول بالفروع كما جاءهم بالأصول.
فإذا اعترض مُعتَرِض فقال: لو أنها كانت تجب عليهم حال شركهم وكفرهم لأوجبنا عليهم القضاء بعد الإسلام، ولا قضاء عليهم بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الإسلام يَجُبُّ ما كان قبلُه، وإنَّ الهِجرة تَجُبُّ ما كان قبلها" (أخرجه أحمد في المسنَد [4/ 204، 198، 205]، والبيهقي في السُنَن الكُبرى [9/ 123]، مِن حديث عمرو بن العاص، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 584]: رواه أحمد والطبراني ورجالهما ثِقات).
فالجواب: أنَّ الشرع لم يوجِب عليهم القضاء تخفيفاً عليهم، ورفعاً للحرج، وتأليفاً لقلوبهم، إذن فهُم لا يؤمَرون بفعلها حال الكُفر ولا بقضائها إذا أسلموا، وإنما فائدة تكليفهم أنهم يُعاقَبون عليها في الآخِرة.
وقد رَجَّح الجُوَيْني هذا المذهب في البُرهان فقال: ((والذي نراه أنَّ الكُفَّار مأمورون بالتزام الشَرْع جُملةً، والقيام بمعالمه تفصيلاً)).
سؤال: هل يُطالَب الكُفَّار بحقوق الآدميين بعد الإسلام؟
الجواب: هذا فيه خِلاف بَيْن أهل العِلم. فمِنْهم مَن قال: يضمنون ويُكَلَّفون بذلك، ومِنْهم مَن قال: لا، لأنهم إذا طولِبوا بذلك سيكون بمثابة التنفير مِن الدين، لأنهم إذا علِموا أنهم إذا أسلموا اقتُصَّ مِنْهم، أو أُخِذَ ما في أيديهم مِن مال، فإنَّ ذلك قد يصُدهم عن الإسلام.
كتبه: فضيلة الشيخ د. محمد يسري
نائب رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة
مِن كتاب: أوضح العبارات في شرح المحلي مع الورقات