تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[منهج التعامل مع المخالف - الشيخ سليمان الماجد]

ـ[سمير فايد]ــــــــ[24 - 11 - 10, 05:33 م]ـ

كان من سنن الله تعالى في خلقه أن جعلهم مختلفين في أشياء كثيرة: في ألسنتهم وألوانهم، وفي طبائعهم وميولهم النفسي والعقلي والعاطفي، وفي آرائهم ونظراتهم في الدين والنفس والمجتمع وما يحيط بهم:

قال تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) " هود.

وقال سبحانه: "وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) " البقرة.

وكان ذلك لحكم عظيمة من أوضحها: الابتلاء والامتحان؛ ليظهر من يُعَظِّم الحق ومن لا يُعَظِّمه، وليُعرف ـ أيضاً ـ جزاء العاصي والمطيع:

قال جل شأنه: "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) " المائدة.

ومن هذه الحِكَم: شحذُ العقل للمزيد من التدبر والتأمل في القرآن والنفس والآفاق.

والعلاقة بالمخالف من الأهمية بمكان؛ لأن اختلال ميزانها يؤدي إلى الاختلاف المذموم المفضي إلى فساد الأحوال غي الدين والدنيا.

قال الله عز وجل: "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) " آل عمران.

وكان مما امتن الله تعالى به على الرعيل الأول تآلف قلوبهم، ولهذا حذرهم من التفرق والاختلاف فقال الله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) " آل عمران.

ولم يشرع النبي صلى الله عليه وسلم في بناء المجتمع والدولة ـ بعد هجرته ودخوله المدينة ـ إلا بعد أن آخى بين المهاجرين والأنصار.

إن الخلاف مضيق لآراء الناس ومواقفهم .. وعند المضايق يذهب اللب .. وإذا ذهب اللب فلا تسأل عن ضياع حقوق المخالف بل ضياع الحق نفسه في أحيان كثيرة.

فالرأي الذي يعلنه الشخص مرآة لعقله وفكره أو أتباعه أو متبوعيه .. والسائد عند كثير من الناس أن المخالفة والنقد انتقاص لعقله وتسفيه لرأيه وعدوان على محبيه .. وحينئذ يبدأ العدوان على المخالفين .. وهو عدوان ظاهره فيه الرحمة: محبة الحق، وباطنه فيه العذاب: محبة النفس والانتصار لها.

إن أخطر ما في العلاقة بالمخالف هو كثرة اضطراب الموازين في التعامل معه؛ مما يؤدي إلى العدوان عليه وظلمه وبخسه حقه، لاسيما إن كثيراً ممن يتكلم في مخالفه إنما يُحدِّث نفسه، أو يخاطب من هو على مثل رأيه؛ فلا يسمع إلا ثناء المعجبين بقوله؛ مما يزيده ضعفاً في بصيرته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير