تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هل يشترط للنصر تحقيق التوحيد على الأعيان]

ـ[أبو معاوية الأثري الجزائري]ــــــــ[17 - 11 - 10, 03:24 م]ـ

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


هل يشترط للنصر تحقيق التوحيد على الأعيان؟

قال الله عزَّ وجلَّ: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ}
أخبر الله في هذه الآية أن الرسول صلى الله عليه وسلَّم وأصحابه رضي الله عنهم آمنوا بالمنزَّل إليهم من ربهم، ثم أعاد فعل الإيمان بعد ذلك، فقال: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}، فما السر في ذلك؟

والجواب يتمثل في الفوائد الآتية:

الأولى: إن الجملة الثانية تفصيل لما أجملته الأولى، فذكرت الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، ولعله أُخر الكلام عن اليوم الآخر إلى قوله عزَّ وجلّ: {وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} على الرغم من أنه من أركان الإيمان التي كثيرا ما تقترن بالأربعة الأولى بالنظر إلى أن قوله: {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} يدل على المنزِّل وهو الله عزَّ وجلَّ وعلى المتنزِّل به وهو المَلَك، وعلى المتنزَّل به وهو الكتاب، وعلى المتنزَّل علَيه وهو الرسول، هذه هي الأربعة، فناسب عند التفصيل ألا يخرج المفصَّل عمَّا في المجمَل، فتأمَّل هذا التطابق!

الثانية: أن الجملة الأولى فعليةٌ، وهي قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ} الآية، والثانية اسميةٌ، وهي قوله: {كُلٌّ آمَنَ}، قال ابن القيم في ((بدائع الفوائد)) (385 - 387/ 2): ((الجملة الاسمية تدل على الثبوت والتقرُّر، والفعلية تدل على الحدوث والتجدُّد))، فكان في الثانية من القوة ما ليس في الأولى، فتدبر!

الثالثة: في هذه الإعادة فائدة عظيمة تستفاد من قوله عزَّ وجلَّ: {كُلٌّ آمَنَ}، قال البغوي في ((معالم التنزيل)) عند هذه الآية: ((يعني كلَّ واحد منهم، ولذلك وحَّد الفعل))، وقال أبو حيَّان في ((البحر المحيط)) عند تفسير قوله عزَّ وجلَّ من آل عمران (84): {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} الآية، قال: ((وقال: {آمَنَّا} تنبيها على أن هذا التكليف ليس من خواصِّه، بل هو لازمٌ لكلِّ المؤمنين، قال تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ} بعد قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ}))، ووجه الاستدلال أنَّ الله عزَّ وجلَّ كرَّر وصفهم بالإيمان؛ لأنَّه في الأول أراد وصف الرسول صلى الله عليه وسلَّم وأصحابه بالإيمان، ثمَّ وصف كلَّ واحدٍ منهم بذلك لدفع توهم الاكتفاء بصلاح عقيدة البعض دون البعض الآخر، أو تَوَهُّم أنَّ صلاح عقيدة الأغلب كاف لتحقيق النصر المذكور في الآخر، بل لا بدَّ من صلاح عقيدة كل المؤمنين خلافا لما يزعمه الحركيون الغاضون من حق الله عزَّ وجلَّ الزَّاعمون أن النصر حاصل ولو لم تسلم عقيدة الجميع، فدلَّ هذا على أنَّ استجابةَ الله لهم دعاءَهم بالنصر في قولهم: {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} مرهونة بالوصف السابق، فليت الحركيين الطامعين في النصر الزاهدين في تصحيح العقيدة عرفوا موضع هذه الكلية في قوله: {كُلٌّ}! فما أعظم هذا الكتاب لمن تدبره وغاص في معانيه لاستخراج كنوزه والإطلاع على دُرَرِه؛ فإنه ما من حرف فيه إلا وهو دالٌ على معنى شريف، عَلِمَه مَن عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جَهِلَه، قال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (134/ 14): ((ثم شهد تعالى للمؤمنين بأنهم آمنوا بما آمن به رسولهم، ثم شهد لهم جميعا بأنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، فتضمنت هذه الشهادة إيمانهم بقواعد الإيمان الخمسة التي لا يكون أحد مؤمنا إلا بها وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر))

الرابعة: فإن قيل: إنَّ تحقيق مجتمعٍ نَزهٍ عن كل مخالفة هو ضرب من الخيال،؛ فإنه لا يُعرف قطُّ أنَّ جيلاً من المسلمين بلغ كلُّ فرد منهم الكمال، وقد كان في العصر الأنور العصر النبوي مَن حُدَّ في السرقة ومَن حُدَّ في بعض الفواحش.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير