عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" يتأول القرآن "، والمراد بقولها رضي الله عنها "يتأول القرآن": أي يُنفِّذ الأمر الذي ورد في قول الله تبارك وتعالى: “ إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره " (سورة النصر).
المعنى الثاني من معاني التأويل " التفسير ".
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى (الرسالة التدمرية)
"الثاني": أن التأويل بمعنى التفسير وهذا الغالب على اصطلاح المفسرين للقرآن كما يقول ابن جرير وأمثاله - من المصنفين في التفسير - واختلف علماء التأويل ومجاهد إمام المفسرين، قال الثوري: إذا جاءت التفسير عن مجاهد فحسبك به، وعلى تفسيره يعتمد الشافعى وأحمد والبخاري وغيرهما، فإذا ذكر أنه يعلم تأويل المتشابه فالمراد به معرفة تفسيره
المعنى الثاني للتأويل هو التفسير والبيان بأن يكون عندنا حقيقة ونفسرها بكلام، وهذا التأويل يُحمد حقُّه ويُردُّ باطله، وهذا المعنى ورد في السنة ولم يرد في القرآن،
والدليل على ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس" اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " فالتأويل هنا معناه التفسير والبيان
قوله تعالى " ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " قال ابن عباس رضي الله عنه " أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله، (أي: تفسيره، وبيانه)، فالكيفية هي الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، والمعنى من التفسير والبيان.
وهذين المعنيين للتأويل هما الذين استمرا في عصر السلف الصالح
ثم ظهر معنً جديد للتأويل لم يكن موجودا قبل ذلك، ولم يعرفه الصحابة ولا تكلموا عنه
المعنى الثالث للتأويل هو صرف المعنى عن ظاهره بدليل (أو صرف اللفظ من المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح بدليل)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في التدمرية
فإن لفظ "التأويل" وهو اصطلاح كثير من المتأخرين من المتكلمين في الفقه وأصوله:
أن التأويل: هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به، وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل نصوص الصفات وترك تأويلها وهل ذلك محمود أو مذموم أو حق أو باطل؟
* مثال ذلك قوله تعالى " ونحن أقرب إليه من جبل الوريد " (ق16) المراد هنا قرب الملائكة، والدليل في صرف اللفظ عن ظاهره إلى هذا المعنى قوله تعالى بعدها " إذ يتلقا المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد " (ق17)
* مثال آخر قوله تعالى " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه" (القيامة 18) المراد هنا جبريل، والدليل على صرف المعنى عن ظاهره
ما جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس في قوله تعالى " لا تحرك به لسانك لتعجل به " قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه، فأنزل الله عز وجل " لا تحرك به لسانك لتعجل به، إنا علينا جمعه وقرآنه " قال جمعه لك " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " قال: فاستمع له وأنصت.
(عبَّر الله عن قراءة جبريل بقراءته سبحانه وتعالى لأنه هو الذي أمر جبريل عليه السلام.)
التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل
وصرف اللفظ من معنىً إلى آخر بغير دليل فهو تحريف. وهذا النوع هو الذي استخدمه المعطلة في تحريف الكلم عن مواضعه،وصرفوا معاني القرآن عن ظاهره بغير دليل فقالوا في قوله تعالى" الرحمن على العرش استوى " قالوا استوى أي: استولى
وهذا المعنى استحدثه الطوائف الضالة، وهو أن يصرفوا اللفظ الذي أراده رب العزة والجلال وأراد أن يفهم منه المخَاطَب شيئاً معيناً إلى معنىً آخر.
يقول صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر" فيقولون: المراد نزول الرحمة، نقول: الله سبحانه وتعالى ينزل كما يليق بجلاله، ولا نعلم كيفية نزوله
لذا قال ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذا النوع: " وأما التأويل بمعنى: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح كتأويل من تأول: استوى بمعنى استولى ونحوه فهذا عند السلف والأئمة باطل لا حقيقة له بل هو من باب تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في أسماء الله وآياته "
وقال رحمه الله:
"التحريف بالتأويل أقبح من التعطيل والتكييف والتمثيل، لأنه ما حرَّف إلا لأنه عطَّل، وما عطَّل إلا لأنه كيَّف ومثَّل"
وقال رحمه الله:
فلا يقال في مثل هذا التأويل: لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم، بل يقال فيه:” قل اتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات والأرض سبحانه وتعالى عما يشركون " (يونس: 18) كتأويلات الجهمية والقرامطة الباطنية كتأويل من تأول الصلوات الخمس: بمعرفة أسرارهم، والصيام بكتمان أسرارهم، والحج: بزيارة شيوخهم، والإمام المبين: بعلي بن أبي طالب، وأئمة الكفر: بطلحة والزبير، والشجرة الملعونة في القرآن: ببني أمية، واللؤلؤ والمرجان: بالحسن والحسين، والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين: بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، والبقرة: بعائشة، وفرعون: بالقلب، والنجم والقمر والشمس: بالنفس والعقل ونحو ذلك.
فهذه التأويلات من باب تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في آيات الله وهي من باب الكذب على الله وعلى رسوله وكتابه ومثل هذه لا تجعل حقا حتى يقال إن الله استأثر بعلمها بل هي باطل مثل شهادة الزور ...... ، ثم قال: " وأصل وقوع أهل الضلال في مثل هذا التحريف الإعراض عن فهم كتاب الله تعالى كما فهمه الصحابة والتابعون ومعارضة ما دل عليه بما يناقضه وهذا هو من أعظم المحادة لله ولرسوله لكن على وجه النفاق والخداع.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
¥