المعصوم على ما يخالفه من استدلاله العقلي أولى من تقديم العامي قول المفتي على قوله الذي يخالفه.
141ج1
فإذا كان عقله يوجب أن ينقاد لطبيب يهودي فيما أخبره به من مقدرات من الأغذية والأشربة والأضمدة والمسهلات واستعمالها على وجه مخصوص مع ما في ذلك من الكلفة والألم لظنه أن هذا أعلم بهذا مني وأني إذا صدقته كان ذلك أقرب إلي حصول الشفاء لي مع علمه بأن الطبيب يخطئ كثيرا وأن كثيرا من الناس لا يشفى بما يصفه الطبيب بل قد يكون استعماله لما يصفه سببا في هلاكه ومع هذا فهو يقبل قوله ويقلده وإن كان ظنه واجتهاده يخالف وصفه؛ فكيف حال الخلق مع الرسل عليهم الصلاة والسلام؟!، والرسل صادقون مصدوقون لا يجوز أن يكون خبرهم على خلاف ما أخبروا به قط والذين يعارضون أقوالهم بعقولهم عندهم من الجهل والضلال ما لا يحصيه إلا ذو الجلال فكيف يجوز أن يعارض ما لم يخطئ قط بما لم يصب في معارضته له قط؟.
150ج1
بل لا يعلم حديث صحيح عن النبي في الأمر والنهي أجمع المسلمون على تركه إلا أن يكون له حديث صحيح يدل على أنه منسوخ.
ج1/ 168
والناس إذا تنازعوا في المعقول لم يكن قولُ طائفة لها مذهب حجة على أخرى، بل يرجع في ذلك إلى الفطر السليمة التي لم تتغير باعتقاد يغير فطرتها ولا هوى.
ج1171
وإذا تعارض دليلان أحدهما علمنا فساده والآخر لم نعلم فساده كان تقديم ما لم يعلم فساده أقرب إلى الصواب من تقديم ما يعلم فساده.
174ج1
فإن قيل: نحن نستدل بمخالفة العقل للسمع على أن دلالة السمع المخالفة له باطلة إما لكذب الناقل عن الرسول أو خطئه في النقل وإما لعدم دلالة قوله على ما يخالف العقل في محل النزاع
قيل: هذا معارض بأن يقال: نحن نستدل بمخالفة العقل للسمع على أن دلالة العقل المخالفة له باطلة بعض مقدماتها فإن مقدمات الأدلة العقلية المخالفة للسمع فيها من التطويل والخفاء والاشتباه والاختلاف والاضطراب ما يوجب أن يكون تطرق الفساد إليها أعظم من تطرقه إلى مقدمات الأدلة السمعية.
ج1/ 178
وطرق العلم ثلاثة: الحس والعقل والمركب منهما كالخبر.
194ج1
واعلم أن أهل الحق لا يطعنون في جنس الأدلة العقلية، ولا فيما علم العقل صحته، وإنما يطعنون فيما يدعي المعارض أنه يخالف الكتاب والسنة، وليس في ذلك ولله الحمد دليل صحيح في نفس الأمر، ولا دليل مقبول عند عامة العقلاء ولا دليل لم يقدح فيه بالعقل.
ج1/ 195
ومعلوم أن النقل المتواتر يفيد العلم اليقيني سواء كان التواتر لفظيا أو معنويا كتواتر شجاعة خالد وشعر حسان وتحديث أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم وفقه الأئمة الأربعة وعدل العمرين ومغازي النبي صلي الله عليه وسلم مع المشركين وقتاله أهل الكتاب وعدل كسري وطب جالينوس ونحو سيبويه يبين هذا أن أهل العلم والإيمان يعلمون من مراد الله ورسوله بكلامه أعظم مما يعلمه الأطباء من كلام جالينوس والنحاة من كلام سيبويه؛ فإذا كان من ادعى في كلام سيبويه وجالينوس ونحوهما ما يخالف ما عليه أهل العلم بالطب والنحو والحساب من كلامهم كان قوله معلوم البطلان؛ فمن ادعي في كلام الله ورسوله خلاف ما عليه أهل الإيمان كان قوله أظهر بطلانا وفسادا لأن هذا معصوم محفوظ.
208ج1
ولهذا كانوا يجعلون القرآن يحيط بكل ما يطلب من علم الدين، كما قال مسروق: ما نسأل أصحاب محمد عن شيء إلا وعلمه في القرآن، ولكن علمنا قصر عنه.
295ج1
وكلما أمعن الفاضل الذكي في معرفة أقوال هؤلاء الملاحدة ومن وافقهم في بعض أقوالهم من أهل البدع كنفاة بعض الصفات الذين يزعمون أن المعقول عارض كلام الرسول وأنه يجب تقديمه عليه؛ فإنه يتبين له أنه يعلم بالعقل الصريح ما يصدق ما أخبر به الرسول، وما به يتبين فساد ما يعارض ذلك.
***********
*فوائد في الاستدلال والحِجَاج*
22ج3
فما كان جوابا عن مواضع الإجماع كان جوابا في مورد النزاع.
97ج3
مع أن الحد والاستدلال بالأخفى قد يكون فيه منفعة من وجوه أخرى مثل من حصلت له شبهة أو معاندة في الأمر الجلي فيبين له بغيره لكون ذلك أظهر عنده؛ فإن الظهور والخفاء أمر نسبي إضافي، مثل من يكون من شأنه الاستخفاف بالأمور الواضحة البينة، فإذا كان الكلام طويلا مستغلقا هابه وعظمه، كما يوجد في جنس هؤلاء إلى غير ذلك من الفوائد.
ج3/ 161
لأن المستدل بدليل ليس عليه أن يذكر كل ما قد يخطر بقلوب الجهال من الاحتمالات وينفيه فإن هذا لا نهاية له، وإنما عليه أن ينفي من الاحتمالات ما ينقدح، ولا ريب أن انقداح الاحتمالات يختلف باختلاف الأحوال.، ولعل هذا هو السبب في أن بعض الناس يذكر في الأدلة من الاحتمالات التي ينفيها ما لا يحتاج غيره إلى ذلك، ولكن هذا لا ضابط له، كما أن الأسولة والمعارضات الفاسدة التي يمكن أن يوردها بعض الناس على الأدلة لا نهاية لها، فإن هذا من باب الخواطر الفاسدة، وهذا لا يحصيه أحد إلا الله تعالى، لكن إذا وقع مثل ذلك لناظر أو مناظر فإن الله ييسر من الهدى ما يبين له فساد ذلك، فإن هدايته لخلقه وإرشاده لهم هو بحسب حاجتهم إلى ذلك وبحسب قبولهم الهدى وطلبهم له قصدا وعملا.
******
تم ما قصدت إيراده من فوائد الأجزاء الثلاثة من درء التعارض لأبي العباس ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه وجمعنا به في الفردوس الأعلى تحت لواء نبينا صلى الله عليه وسلم.
¥