تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و أوجب ابن عقيل ذمهم-أي الصوفية- و وصفهم بأنهم: زنادقة في زي عباد شرهين،و مشبهة خلعاء. لأفعالهم المنكرة المخالفة للشرع، فهم يحبون البطالات و الاجتماع على الملذات، و ويعتمدون على بواطنهم و يتكلمون كالكهان،و يقول أحدهم: ((قال لي قلبي عن ربي)) [12]. و يستميلون المردان و النسوان بإلباسهم خرقة التصوف و جمعهم في السماعات. كما أنهم يفسدون قلوب النساء على أزواجهم،و يقبلون طعام الظلمة و الفساق، و لا عمل لهم في أربطتهم إلا الأكل و الرقص و الغناء، مع تمزيق الثياب،و الصعق و الزعق و التماوت، و تحريك الطباع و الرعونات بالأسجاع و الألحان [13]

ثانيا: نقد ابن الجوزي للتصوف و الصوفية:

اشتد الفقيه عبد الرحمن بن الجوزي (ت597 ه/1200م) في انتقاد الصوفية،و خصص لذمهم و انتقاد مذهبهم قسما كبيرا من كتابيه: تلبيس إبليس، و صيد الخاطر. فمن ذلك أنه أعاب عليهم تركهم للعلم و تنفير الناس منه، و اقتصار بعضهم على القليل منه ن بدعوى الاكتفاء بعلم الباطن، و لا حاجة للوسائط، و إنما هو: قلب و رب [14]. لذلك انحرف أكثرهم في عباداتهم،و قلت علومهم، و تكلموا في الشرع بآرائهم الفاسدة، فإذا أسندوا فإلى حديث ضعيف أو موضوع، أو يكونوا فهمهم منه رديئا؛ و إذا خاضوا في التفسير كان غالب كلامهم خطأ و هذيانا. و لجهلهم بالشرع و ابتداعهم بالرأي ابتكروا مذهبا زينه لهم هواهم، ثم تطلبوا له الدليل من الشرع، فاستدلوا بآيات لم يفهمونها،و بأحاديث لها أسباب و جمهورها لا يثبت [15].

و عن موقف الصوفية من العقل و النقل،و اعتزازهم بمذهبهم نقل ابن الجوزي عن الصوفي عبد الكريم القشيري (ت465 ه/1072م) قوله: ((حجج الصوفية أظهر من حجج كل أحد، و قواعد مذهبهم أقوى من قواعد كل مذهب، لأن الناس إما أصحاب نقل وأثر، وإما أرباب عقل و فكر، وشيوخ هذه الطائفة ارتقوا عن هذه الجملة، و الذي للناس غيب فلهم ظهور، فهم أهل الوصال،و الناس أهل الاستدلال)) ثم عقب عليه ابن الجوزي بقوله: ((من له أدنى فهم يعرف أن هذا الكلام تخليط، فإن من خرج عن النقل و العقل فليس بمعدود في الناس،و ليس أحد من الخلق إلا و هو مستدل.و ذكر الوصال حديث فارغ، فنسأل الله العصمة من تخليط المريدين و الأشياخ)) [16]. و ما قاله القشيري خطير جدا ينتهي بمن يأخذ به إلى إبعاد الشرع،و تعطيل العقل، ليعبد الله –بعد ذلك- على هواه، فلا يفرق بين الحلال و الحرام،و لا بين ما يجب لله ما لا يجب له، فيضل و يضل و يصدق عليه قوله تعالى: ((ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله)) -سورة القصص/50 - .

و أعاب على مشايخهم تكلمهم في القرآن الكريم بغير علم،و قولهم فيه خلاف أقوال المفسرين، فذكر أن الصوفي أبا عبد الرحمن السلمي (ت412 ه/1021م) صنف تفسيرا [17] جمع فيه أقوالا لهم أكثرها هذيان. منها أن الصوفي أبا القاسم بن محمد الجنيد البغدادي (ت298 ه/910م) فسر قوله تعالى: ((سنقرئك فلا تنسى)) -سورة الأعلى / 6 - بمعنى لا تنس العمل به.و فسر قوله تعالى: ((و درسوا ما فيه)) -سورة الأعراف/169 - بتركوا العمل به. وهذان التفسيران عند ابن الجوزي غير صحيحين ظاهرين الغلط، فقوله في الآية الأولى، هو خلاف إجماع العلماء، إذ فسرها على أن فيها نهي، و الصحيح إنما هو خبر لا نهي و تقديره: فما تنسى-أي فيها نهي- و لو كان نهيا لجزم الفعل.و أما قوله في الآية الثانية بأن معناها: تركوا العمل به ن فهو خطأ، لأن معناها الدرس الذي هو التلاوة، من قوله تعالى: ((بما كنتم تدرسون)) -سورة آل عمران /79 - ، لا من دروس الشيء الذي هو هلاكه [18]. ثم ختم ابن الجوزي تعقيباته على تفسيراتهم بقوله: ((و إنما العجب من هؤلاء –و كانوا يتورعون من الكلمة و اللقمة- كيف انبسطوا في تفسير القرآن الكريم إلى ما هذا حده)) [19].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير