تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والجواب أنَّه ينبغي التفريق بين ما كان من أصل الإيمان، وبين ما كان من واجباته أو مكملاته، فالأولى جاء فيها الفرض العيني بلفظ الكلِّيًّة السابقة، ولذلك أخبر الله في سورة الإسراء (22) أن مَن نقض أصل الإيمان فجعل مع الله إلهاً آخر ترَكَه مخذولا أي منهزما: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولا} وأخبر أن الشرك سبب وقوع رعب الهزيمة في قلوب أهله، فقال: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} (آل عمران 151)، قال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (257/ 10): ((وكذلك المشرك يخاف المخلوقين، ويرجوهم، فيحصل له رعب)) واستدلَّ بالآية السابقة، ثمَّ قال: ((والخالص من الشرك يحصل له الأمن، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم هنا بالشرك ... ))، وقال أيضا عقب هذه الآية (28/ 36): ((هؤلاء الموحِّدون المخلصون، ولهذا قال الإمام أحمد لبعض الناس: لو صَحِحْتَ لم تَخَف أحدا))، وأمَّا الثانية فقد يحصل فيها شيء من التقصير من بعض المسلمين فلا يختل توازن المجتمع إذا لم يغلُب عليه، وذلك بحسب حكمة الله عزَّ وجلَّ وميزانه العادل، ولذلك جاء في هذه الآيات اعترافُ المؤمنين بالتقصير بقولهم: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا}، فهذا الاستغفار بعد آية السمع والطاعة، وهذا يغلبُ على الأحكام العمليَّة التي يقع فيها شيء من التقصير، قال ابن القيَّم في ((إغاثة اللهفان)) (185/ 2): ((لأنَّ العبد لا بدَّ أن يحصُلَ له نوعُ تقصير وسرف يزيله الاستغفار)).

وعلى الرغم من ضرورة تحقيق أصل الإيمان وما يتبعه، فإن المؤمنين يعترفون بالتقصير في جنب الله، لا سيما المتابعة فلذلك يسألون ربَّهم المغفرة والتجاوز عنهم، قال ابن تيميَّة رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)) (136/ 14): ((ثم قالوا: {غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصيرُ} لِما علموا أنهم لم يوفوا مَقامَ الإيمانِ حقَّه مع الطاعة والانقياد الذي يقتضيه منهم، وأنهم لا بدَّ أن تميلَ بهم غلباتُ الطِباع ودواعي البشرية إلى بعض التقصير في واجبات الإيمان، وأنه لا يَلُمُّ شَعْثَ ذلك إلاَّ مغفرةُ الله تعالى لهم، سألوه غُفْرانَه الذي هو غايةُ سعادتهم، ونهايةُ كمالهم))

المصدر: صفحة116 إلى 121 من كتاب: مقاصد سورة القرة - تأليف الشيخ عبد المالك بن أحمد رمضاني حفظه الله تعالى - طبعة الدار الأثرية - عنابة - 1428هـ


والله الموفق لنيل مرضاته

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير