تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال: للناس في هذا الحديثِ أقوالٌ قيل: المرادُ بذلك أن يبيعَ السِّلعةَ المعينة التي هي مال الغير، فيبيعُها، ثم يتملَّكُها، ويُسلمها إلى المشتري، والمعنى: لا تَبعْ ما ليسَ عِنْدَك من الأعيان، ونقل هذا التفسير عن الشافعي، فإنه يُجوِّز السلمَ الحال، وقد لا يكون عند المسلم إليه ما باعه، فحمله على بيع الأعيان، ليكون بيع ما في الذمة غَير داخل تحته سواءً كان حالاً أو مؤجلاً.

وقال آخرون: هذا ضعيف جداً، فإن حكيم بن حزام ما كان يبغ شيئاً معيناً هو ملك لغيره، ثم ينطلِقُ فيشتريه منه، ولا كان الذين يأتونه يقولون: نطلبُ عبد فلان، ولا دارَ فلان، وإنما الذي يفعلُه الناسُ أن يأتيَه الطالبُ، فيقولُ: أريدُ طعاماً كذا وكذا، أو ثوباً كذا وكذا، أو غير ذلك، فيقول: نعم أعطيك، فيبيعه منه، ثم يذهب، فيحصله من عند غيره إذا لم يكن عنده، هذا هو الذي يفعله من يفعلُه مِن الناس، ولهذا قال: "يأتيني فيطلب مني المبيع ليس عندي" لم يقل يطلب مني ما هو مملوك لغيري، فالطالبُ طلب الجنسَ لم يطلُبْ شيئا معيناً، كما جرت به عادةُ الطالب لما يُؤكل ويُلبس ويُركب، إنما يطلب جنس ذلك، ليس له غرض في ملك شخص بعينه دون ما سواه، مما هو مثلُه أو خيرٌ منه،

(5/ 811)

ولهذا صار الإِمامُ أحمد وطائفةٌ إلى القول الثاني، فقالوا: الحديثُ على عمومه يقتضي النهي عن بيع ما في الذمة إذا لم يكن عنده، وهو يتناول النهي عن السَّلم إذا لم يكن عنده، لكن جاءت الأحاديثُ بجوازِ السَّلَمِ المؤجلِ، فبقي هذا في السَلَمِ الحالَ.

والقول الثالث - وهو أظهر الأقوال -: إن الحديثَ لم يرد به النهي عن السلم المؤجَّل، ولا الحال مطلقاً، وإنما أريد به أن يبيعَ ما في الذمة مما ليس هو مملوكاً له، ولا يقدِرُ على تسليمه، ويربح فيه قبل أن يَملِكه، ويضمنه، ويقدر على تسليمه، فهو نهي عن السلم الحالى إذا لم يكن عند المستسلِفِ ما باعه، فليزم ذمته بشيء حالٍّ، ويربح فيه، وليس هو قادراً على إعطائه، وإذا ذهب يشتريه، فقد يحصُل وقد لا يحصُل، فهو مِن نوع الغرر والمخاطرة، وإذا كان السلم حالاًّ، وجب عليه تسليمُه في الحال، وليس بقادرٍ على ذلك، ويربح فيه على أن يَملكه ويضمنه، وربما أحاله على الذي ابتاع منه، فلا يكونُ قد عمل شيئاً، بل أكل المال بالباطل، وعلى هذا فإذا كان السَّلم الحالُّ والمسلم إليه قادراً على الإِعطاء، فهو جائز، وهو كما قال الشافعي إذا جاز المؤجَّل، فالحالُّ أولى بالجواز.

ومما يُبين أن هذا مرادُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن السائل إنما سأله عن بيع شيء مطلق في الذمة كما تقدم، لكن إذا لم يجز بيعُ ذلك، فبيعُ المعين الذي لم يملكْه أولى بالمنع، وإذا كان إنما سأله عن بيع شيء في الذمة، فإنما سأله عن بيعه حالاًّ، فإنه قال: أبيعُه، ثم أذهب فأبتاعه، فقال له: "لاَ تَبْع ما لَيْس عِنْدَكَ"، فلو كان السلفُ الحال لا يجوزُ مطلقاً، لقال له ابتداء: لا تبع هذا سواء كان عنده أو ليس عنده، فإن صاحبَ هذا القول يقول: بيعُ ما في الذمة حالاًّ لا يجوز، ولو كان عنده ما يُسلمه، بل إذا كان عنده، فإنه لا يبيع إلا

(5/ 812)

معيناً لا يبيع شيئاً في الذمة، فلما لم ينه النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك مطلقاً، بل قال: "لاَ تَبعْ ما ليس عندك"، علم أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرَّق بين ما هو عنده ويملِكه ويقدِر على تسليمه، وما ليس كذلك، وإن كان كلاهما في الذمة.

ومن تدبَّر هذا تبيَّن له أن القولَ الثالثَ هو الصوابُ. " انتهي.

أسأل الله عز وجل أن ينفعنى واياك وجميع الاخوة الكرام بما ذكرت، وان يتقبل منا، انه سبحانه سميع قريب مجيب الدعاء.

ـ[أبو وائل غندر]ــــــــ[14 - 04 - 09, 02:35 ص]ـ

بيع السلم هو بيع موصوف في الذمة بثمن معجل في مجلس العقد

والنبي صلى الله عليه وسلّم قال ((من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)) والسلف هو السلم لغة أهل الحجاز ولغة أهل العراق، ويشترط فيه شروط لا تشترط في سائر البيوع أن يكون معلوما برؤية أو وصف لا يختلف به المبيع وأن يكون الثمن مقدما في مجلس العقد، ويكون المشتري عالما بأن المبيع غير موجود في وقت العقد، وأن يغلب على الظن وجوده وقت التسليم، فلا يسلم في بضاعة الصيف في الشتاء أو العكس.

بينما بيع ما ليس عندك فهو يشمل بيع الإنسان ما لايملك وبيع ما لايقدر على تسليمه كما قال أبو هاجر لكن يكن عقد البائع على أن المبيع موجود في وقت العقد وكذا يظن المشتري فنهي عنه لذلك، فإن علم المشتري بأن المبيع غير موجود صار من باب السلم أي بيع موصوف في الذمة فيشترط لجوازه الشروط المتقدمة من قبض الثمن في مجلس العقد أو يكون مكيلا أو موزونا لا يتغير بوصف أو حجم كالمعدودات (الفواكه) حتى لا يقع النزاع في حجمها وصفتها عند القبض، لأنه إذا باع مبيعا لا يقدر على تسليمه على أنه موجود حاضر يمكن تسليمه جاز تأجيل الثمن فإن لم يسلم له البضاعة صار بيع دين بدين لذلك اشترط قبض الثمن في مجلس العقد في بيع السلم ولم يشترط في باقي البيوع والله أعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير