و قال البعض إن الأولى معاملة الكافر إذا كانت المعاملة فاسدة لأن ما تحت يده مال يعتقد إباحته و هذا مردود, قال شيخ الإسلام: "و لما ضيق بعض الفقهاء هذا على بعض أهل الورع ألجأه إلى أن يعامل الكفار و يترك معاملة المسلمين و معلوم أن الله لا يأمر المسلم بأن يأكل من مال الكافر و يدع أموال المسلمين بل المسلمون أولى بكل خير و الكفار أولى بكل شر" و لذلك فالأولى معاملة المسلمين فى كل حال يستوى فى ذلك عند شيوع الفساد فى السوق و عند عدمه لأن المسلم أولى بالنفع من غيره.
و هناك إشارات إلى أولوية التعامل مع المسلم فى الكتاب و السنة كما جاء فى الحديث: "لا يبع أحدكم على بيع أخيه " فكأن البيع محصور بين المسلمين و قال العلماء أن هذه خرجت مخرج الغالب و إلا فلا يجوز البيع على بيع الذمي فهذا دل على أن أغلبية التعامل تكون مع المسلمين.
و يدخل التعامل مع المسلم فى باب قوله صلى الله عليه و سلم: "من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه", و يدخل فى باب إدخال السرور على مسلم.
و لأولى الاحتراز من معاملة الكفار لا سيما فى الأمور التى مدارها على الأمانة و ن أعظمها: اتخاذهم كتابا لأمور المسلمين وقد شدد عمر النكير فى هذا الأمر وهو محرم لأنهم لا يستأمنون ولأن فيه تولية على المسلمين,
ومنها التطبيب لأن فيه اطلاع على العورات أو فيه إتلاف لعضو من أعضاء المسلم وكذلك فقد يفتيه بما فيه الترخص فى العبادة كالصلاة قاعدا والأولى ذهابه لطبيب مسلم ثقة فيما فيه إتلاف عضو أو ترخيص فى عبادة, ومنها شراء الرطوبات منهم وهى المواد المائعة لأنهم لا يتورعون عن النجاسة.
وإذا قلنا إن الشراء من المسلم أولى فكيف نجمع بين ذلك وبين رهن النبي صلى الله عليه و سلم درعه عند اليهودي, قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى فى فتح البارى فى باب الرهن:" قال العلماء: الحكمة فى عدوله صلى الله عليه و سلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهودي إما لبيان الجواز أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجة غيرهم أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمنا أو عوضا فلم يرد التضييق عليهم فإنه لا يبعد أن يكون فيهم إذ ذاك من يقدر عليه و أكثرمن ذلك فلعله لم يطلعهم على ذلك و إنما اطلع عليه من لم يكن موسرا", وهذا من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم لأنه خشى أن يطل من الصحابة أن يبيعوه بالأجل فيهدونه صلى الله عليه و سلم الطعام فيضيق عليهم.
الخلاصة:
البيع والشراء مع الكافر جائز بشروط مع أن الأفضل معاملة المسلم ما أمكن و يتأكد ذلك فى المعاملات التى مبناها على الأمانة و النصح وقد يصل إلى حد المنع ككشف عورة المسلمة على الطبيب الكافر مع وجود المسلم و هذا حكم عام ليس له علاقة بحرب قائمة أو إيذاء قائم.
أدلة القائلين بالمقاطعة و مناقشتها:
لم ينازعوا فى أصل جواز البيع و الشراء و إنما حرموا فى الحالة المخصوصة التى ذكرناها و الأدلة التى احتجوا بها هى:
1 - أن المشركين قاطعوا المسلمين فى شعب أبى طالب فمقاطعتهم من باب المعاملة بالمثل.
2 - قصة ثمامة بن أثال رضى الله عنه لما أسلم و منع الميرة عن كفار قريش حتى يأذن الرسول صلى الله عليه و سلم فأمره النبي بعد أن ناشدته قريش الله و الرحم.
3 - أن الضرر الذى سيلحق بهذه الشركات من جراء مقاطعة المسلمين لها سوف يدفعهم لتغيير مواقفهم العدائية ضد المسلمين.
أما الدليل الأول و هو الاحتجاج بمقاطعة المشركين للنبي فى شعب أبى طالب فنحن نعاملهم بالمثل:
فهذا أبعد ما يكون لأن المعاملة بالمثل لا تكون بعد ألف و أربعمائة سنة و قد عاملهم النبي بعد أن خرج من حصاره و اشترى و باع منهم و ترد عليهم قصة ثمامة بن أثال.
و قصة ثمامة لا تدخل فى تعريفهم لأنهم يتحدثون عن الشراء لا عن البيع و إن كان منع المشركين من شراء الحنطة فيه مشقة كبيرة عليهم و لذلك أقره النبي على هذا فلما ناشدوه الله و الرحم أمره أن يبيعهم إياه و هذا غاية ما فيه جواز هذه الصورة متى كانت فيه مصلحة راجحة ما لم تعارض بآكد منها و من المعارضة أن تعارض بصلة الرحم الكافرة لأنها توصل بأنواع البر التى لا تتضمن المحبة ومنها إطعام الجائع.
أما الدليل المبني على أن ترك الشراء من هذه الشركات سوف يجبرها على تغيير مواقفها
فهذا يحتمل أن يقال به بناءا على مسألة وهى:
¥