• والجواب: أن ظاهر كلامها يفيد أنها لم تتعمد ذلك النظر، وكل الذي فعلته أنها رفعت جانب الخباء دون أن تعلم ما وراءه، فرأت ما تكلمت به، ونظر الفُجاءة معفو عنه ما لم يتعمد الإنسان ذلك أو يطيل النظر مرة بعد أخرى، فلم يكلفنا الله ما لا نطيق. بخلاف قصة الفضل رضى الله عنه "فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا، فَالْتَفَتَ النبى صلى الله عليه وآله وسلم وَالْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا فَأَخْلَفَ بِيَدِهِ فَأَخَذَ بِذَقَنِ الْفَضْلِ فَعَدَلَ وَجْهَهُ عَنْ النَّظَرِ إِلَيْهَا"، وفى رواية عند النسائي: "فَأَخَذَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا وَكَانَتْ امْرَأَةً حَسْنَاءَ وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْفَضْلَ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ مِنْ الشِّقِّ الآخَرِ" فالظاهر أن الفضل كان يكرر النظر إليها، ولذلك أنكر النبى صلى الله عليه وآله وسلم عليه بفعله، حيث لوى عنقه، وذلك أبلغ فى الإنكار من القول، وسقت قصة الفضل وإنكار النبى صلى الله عليه وآله وسلم عليه لترى الفرق بينها وبين قصة امرأة ثابت فى عدم إنكار النبى صلى الله عليه وسلم عليها، فتدبر هذا.
- ثم لا حجة لمن خصص التحريم بأزواج النبى صلى الله عليه وسلم، فالأصل فى النصوص العموم ما لم يأت التخصيص.
الراجح من الأقوال الثلاثة: هو القول الأول لظاهر الآية (وهى العمدة فى التحريم) وقوة الأدلة ومذهب أكثر الصحابة وجمهور العلماء والإجابة على أدلة المخالفين ولأنه الأحوط والأسلم للمرأة المسلمة وبأنه سداً للذريعة قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى: "والشريعة مبنية على الاحتياط والأخذ بالحزم، والتحرز مما عسى أن يكون طريقاً إلى المفسدة".
نقل بعض الفتاوى:
• قال العلامة الألبانى إجابة على سؤال وُجه إليه يقول صاحبه: ما الرد على من يدعى إباحة نظر الرجل إلى المرأة فى التلفاز أو المجلة مستدلاً بأن عائشة كانت تنظر إلى رجال الحبشة وهم يلعبون؟
فقال رحمه الله: نظر السيدة عائشة رضي الله عنها إلى الحبشة فأمرٌ مسموح به لها ولغيرها، لأنها منصرفة إلى النظر إلى اللعب، وليس إلى الأشخاص، كأن تنظر المرأة إلى معركة قتال لا يخطر فى بال المرأة عندئذٍ ما قد يوسوس الشيطان إليها أن تحلق ببصرها إلى الرجل. فهنا سمح بالنظر لأن الفتنة مأمونة.
وحينئذٍ لا يصطدم هذا الحديث مع النص القرآني فى قوله تعالى: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ"، وقوله تعالى:" وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ".
فالنظر هنا إلى القصد، فإذا كان النظر بقصد شيء فهو المقصود فى الآية، أما إن كان النظر بقصد حسن فلا يدخل فى النهي فى الآيتين السابقتين، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم لعلى بن أبى طالب رضي الله عنه: "يا على لا تتبع النظرة النظرة، فإن النظرة الأولي لك، والثانية عليك" أي إن من أعاد النظر لشخص المرأة لذاتها فذلك من الشيطان.
وجاء فى حديث الخثعمية فى صحيح البخاري لما وقفت تسأل النبى صلى الله عليه وآله وسلم عن أبيها، وقد أدركته فريضة الحج، وهو شيخ كبير لا يثبت على الرَحْل، قالت: أفأحج عنه؟ قال لها: "حجي عنه"، وكان رديف النبى صلى الله عليه وآله وسلم الفضل بن العباس، فكان ينظر إليها وتنظر إليه، فكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يصرف بصر الفضل إلى الجانب الآخر، كي لا يدخل الشيطان بينهما.
لذلك لا يجوز للمرأة أن تكرر النظر إلى الرجل، كما أنه لا يجوز للرجل أن يكرر النظر إلى المرأة؛ إلا فى حالة واحدة وهي حالة الخطبة. نقلاً من كتاب "فتاوى المرأة المسلمة ص 516،515".
• وقد سُئل فضيلة الشيخ أبو إسحاق الحوينى: ما حكم نظر المرأة للرجال بدون شهوة؟
فأجاب: أما نظر المرأة للرجال فمحرم بالنص فإذا كان لا بد أن تستفيد المرأة فلتعطى ظهرها للصورة ولتستفيد، أما النظر العام الذي لا يختص لرجل معين فهذا جائز لحديث عائشة فى الصحيحين أنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون فى المسجد، وأما غير ذلك فلا يجوز بثبوت النص بذلك كما فى سورة النور.
¥