[في بدء صيام اليوم ونهايته]
ـ[حاتم الحاجري]ــــــــ[20 - 08 - 10, 09:22 م]ـ
قال الله تعالى: ?أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ? [سورة البقرة – الآية 187].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((هذه رخصةٌ مِن الله تعالى للمُسلمين، ورَفْعٌ لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فإنه كان إذا أفطر أحدُهُم إنما يَحِلُّ له الأكل والشُّرب والجِماع إلى صلاةِ العِشاءِ أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلى العِشاء حُرِّمَ عليه الطعامُ والشَّرابُ والجِماع إلى الليلة القابِلة، فوجدوا مِن ذلك مشقة كبيرة، فنزلت هذه الآية، ففرِحوا بها فَرَحاً شديداً، حيث أباح الله الأكل والشُّرب والجِماع في أي الليل شاء الصائِمُ، إلا أن يتَبَيَّنَ ضياءُ الصباحِ مِن سَوادِ الليل)) "تفسير ابن كثير: ج1/ص221 - ط الفكر.
فَتَبَيَّن مِن الآيةِ الكريمة تحديدُ الصوْمِ اليوميِّ بدايةً ونهايةً، فبدايتُه مِن طلوعِ الفجْرِ الثاني، ونهايته إلى غُروبِ الشَّمس.
وفي إباحته تعالى الأكلَ والشُّربَ إلى طلوع الفجر دليلٌ على استحبابِ السُّحورِ.
وفي الصحيحين عن أنسٍ؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَسَحَّرُوا فإن في السَّحورِ بَرَكَةً)) رواه البخاري (ح1923) ومسلم (1095).
وقد وَرَدَ في الترغيبِ بالسُّحور آثاراً كثيرةٌ، ولو بجرعةِ ماءٍ، ويُسْتَحَبُّ تأخيرُه إلى وقتِ انفجار الفجرِ.
ولو استيقظ الإنسانُ وعليه جنابةٌ أو طَهُرَتِ الحائضُ قبلَ طلوعِ الفَجْر؛ فإنهم يبدؤون بالسَّحورِ، ويَصومون ويُؤَخِّرُون الاغتسالَ إلى ما بعدَ طُلوعِ الفجر.
وبعضُ الناس يُبَكِّرون بالتَّسَحُرِ لأنهم يَسْهَرونَ مُعْظَمَ الليلِ ثُم يتسحرَّون وينامون قبلَ الفجرِ بساعاتٍ، وهؤلاء قد ارتكبوا عِدَّةَ أخطاء:
أولاً: لأنهم صاموا قبلَ وقت الصِّيام.
ثانياً: يَترُكون صلاةَ الفَجْرِ مع الجَماعةِ، فيعْصون الله بِتَرْكِ ما أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهم مِن صلاةِ الجماعةِ.
ثالثاً: رُبَّما يؤخِّرون صلاة الفَجْرِ عن وقتها، فلا يُصَلُّونها إلا بعدَ طُلوعِ الشمسِ، وهذا أشدُّ جُرْماً وأعظمُ إثماً، قال الله تعالى: ?فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ? [سورة الماعون – الآيات 4،5].
ولا بُد أن ينويَ الصيام الواجِب مِن الليل، فلو نوى الصيام ولم يستيقِظ إلا بعدَ طُلوعِ الفَجْرِ فإنه يُمْسِكُ، وصيامُه صحيحٌ تامٌ إن شاء الله.
ويُسْتَحَبُّ تعجيلُ الإفطارِ إذا تَحَقَّقَ غروبُ الشَّمسِ بمُشاهدتها أو غَلَبَ على ظنِّهِ بخبرِ ثِقَةٍ بأذان أو غيرِه: فعن سهل بن سعد رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ ما عَجَّلوا الفِطْر)) مُتَّفَقٌ عليه، رواه البخاري (ح1957) ومسلم (ح1098). وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رَبِّه عز وجل: ((إِنَّ أَحَبَّ عِباديَ إلَيَّ أَعْجَلُهُم فِطْراً)) رواه أحمد (2/ 237، 329)، والترمذي (70، 701) وقال: حسنٌ غريب، وابن حِبَّان (3507، 3508).
والسُّنَّة أن يُفْطِرَ على رُطَبٍ، فإن لم يجِد فعلى ماءٍ، لقولِ أنس رضي الله عنه: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ قبلَ أن يُصَلِّيَ على رُطَباتٍ، فإن لم تَكُن رُطَباتٌ فتمرات، فإن لم تَكُن تَمَراتٌ حسا حسواتٍ مِن ماءٍ ... )) رواه أحمدُ (3/ 164)، وأبو داودَ (2/ 306)، والترمذيُّ (696) وقال: حسنٌ غريب، والدارقطني (2/ 185) وقال: هذا إسناد صحيح. فإن لم يجِدْ رُطَباً ولا تَمْراً ولا ماءً أفْطَرَ على ما نَيَسَّرَ مِن طعامٍ وشرابٍ.
وهُنا أمرٌ يَجِب التنبيه عليه، وهو أنَّ بعضُ الناسِ قد يجلِسُ على مائِدةُ إفطارِه ويَتَعَشَّى ويتْرُكُ صلاة المغربِ مع الجماعة في المسجِدِ، فيرتَكِب بذلك خَطَاً عظيماً، وهو التَّأَخُر عن الجماعة في المسجِدِن ويُفَوِّتُ على نَفْسِهِ ثواباً عظيماً، ويُعَرِّضُها للعُقوبةِ، والمشروعُ للصائمِ أن يُفْطِر أولاً ثُم يذهبُ للصلاة، ثُم يَتَعَشَّى بعدَ ذلِك.
ويُسْتَحَبُّ أن يَدْعُوَ عِنْدَ إفطارِهِ بما أَحَبَّ، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ للصائِمَ عِنْدَفِطْرِهِ دَعْوَةٌ لا تُرَدُّ)) رواه ابن ماجة (1753)، والطَّيالِسي (2262)، والحاكِم (1/ 583)، والبيهقي في الشُّعَب (3/ 407).
ومِن الدُّعاءِ الوارِدِ أن يقول: ((الهم لك صُمْتُ، وعلى رِزْقِكَ أفْطَرْتُ)) رواه أبو داود (2358)، وفي المراسيل (99). وكان صلى الله عليه وسلم إذا أفطرَ يقولُ: ((ذَهَبَ الظَّمَاُ، وابْتَلَّتِ العُروق، وثَبَتَ الأجرُ إن شاء الله)) رواه أوب داود (2357)، والحاكِم (1/ 584) وقال: صحيح على شَرْطِ الشيخين.
وهكذا ينبغي للمسلِم أنْ يَتَعَلَّمَ أحكامَ الصِّيامِ والإفطارِ وقتاً وصِفةً حتى يُؤدِّي َصيامَه على الوجهِ المشروعِ الموافِق لِسُنَّةِ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم، وحتى يكونَ صيامُه صحيحاً وعَمَلُه مَقبولاً عِنْدَ اللهِ، فإنَّ ذَلِكَ مِن أهمِّ الأُمُورِ. قال الله تعالى: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا? [سورة الأحزاب – الآية 21].
كتبه: فضيلة الشيخ د. صالِح بن فَوْزان بن عبد الله الفَوْزان
مِن كتاب: المُلَخَّص الفِقهي